للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من كل نوع، حتى الترام نفسه يبطيء سائقوه إذ ينصتون ويفون على مقربة من المتجر فلا يحبون أن ينطلقوا فيبتعدوا عن هذا الصوت الندي الحلو الذي سحر الناس جميعاً، والذي يرسله الميكروفون قوياً صافياً لا حشرجة فيه ولا تسلخ ولا كدرة فيملأ به الشارع.

(الله أكبر. . . بسم الله الرحمن الرحيم، والشمس وضحاها، والقمر إذا تلاها، والنهار إذا جلاها، والليل إذا يغشاها، والسماء وما بناها، والأرض وما طحاها، ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها).

بهذا التنزيل المجيد كان يصلصل حلق القارئ البارع في صوت يرتفع إلى عنان السماء ثم يهبط إلى قرار قريب، فتحس فيه تموج الشعاع وتأوه الجدول وترسل الكروان وتنغيم البلبل، وتجد نفسك مسحوراً بهذا الصوت اللين الحلو، وهذا الإيقاع العبقري الجميل في إمالة سائغة لأواخر هذه الآيات الكريمة يهفو لها السمع وتترشفها النفس، وكانت ترتفع مع اللحن نفوس السامعين وتهبط وعم صامتون خاشعون حتى يفرغ ذلك النفس الطويل، نفس القارئ المفتن فتضج أصوات السامعين بلفظ الجلالة. . .

كان المسلمون يطربون للتنزيل الحكيم وقد وجلت قلوبهم لذكر الله وزادتهم آياته إيمانا، وكانوا يعجبون بذلك الصوت العبقري القدر وهذا الترتيل الشجي الساحر؛ وكان غير المسلمين مأخوذين بهذا التطريب العجيب الذين يحسون أثره ولا يتبينون سره؛ وكان الأجانب مذهولين بهذا المتجر الذي ينبثق منه النور والذي جاء يزحم متاجرهم ويبدأ بهذا التحدي فيفتح أبوابه يوم الأحد ويذيع كلام الله في شارع فؤاد. . .!

ودخلنا على الرغم من الزحمة فناء المتجر فإذا به ممتلئ بالناس، وإذا باقات كبيرة من الزهر تبلغ الواحدة منها قامة الرجل طولا تزين جوانب الفناء وكلها مهداة إلى المتجر الجديد من أصحاب المتاجر الكبيرة كما دلت على ذلك ما علق عليها من بطاقات.

وكان كل ما في المتجر يملأ النفوس سحراً وشعراً فهذه الأنوار المتألقة وهذه الزهور الناضرة وهذت التلاوة العذبة، ثم هذه البضائع الجديدة المنسقة على الرفوف اللامعة النظيفة في أناقة وحسن ذوق كل أولئك كان يبعث البهجة في النفوس ويلقي السحر في الخواطر.

(الله أكبر. . . بسم الله الرحمن الرحيم، ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي

<<  <  ج:
ص:  >  >>