للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واتجهوا إلى ما خلف لكم الآباء من ثروة فكرية فإنها ثروة ضخمة نافعة، واعلموا أن التظرف بالكلمات الأعجمية وقراءة القصص الأوربية أصبح مظهراً من مظاهر التفاهة التي لا تليق بالرجال. . .

ابن هشام والدكتور زكي مبارك:

عرض والدكتور زكي مبارك في مقال له بجريدة (البلاغ) للحديث عن العلامة النحو، أبن هشام الأنصاري فامتدحه وقال إنه يعرف من فلسفة النحو ما لا يعرف سيبويه، ثم انتقده في قوله: (ويجب في المؤكد كونه معرفة، وشذ قول عائشة رضي الله عنها: ما صام رسول الله شهراً كله إلا رمضان. .) فقال الدكتور: لأول مرة أستطيع الأخذ بتلابيب ابن هشام الأنصاري، فالذي سمعناه وقرأناه أن السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق، وأنها زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام، فأبوها عربي صريح، وزوجها سيد العرب، فكيف يكون في كلامها شذوذ في لغة العرب؟.

وهنا أحب أن ألفت نظر والدكتور زكي إلى مسألة تناولها العلماء من قبل بالبحث والمناقشة حول الاستشهاد بالحديث. فقد رأى جمهرتهم أن الأحاديث إنما رويت بالمعنى كما دخلها كثير من الأحاديث الموضوعة والمصنوعة في العصر العباسي، ولهذا منع الكثيرون الاحتجاج بالحديث في اللغة، وعلى هذا نجد النحويين يناقشون ألفاظ الأحاديث فيحكمون في بعض الأحيان بشذوذها، وأحياناً بخطئها، وأحياناً بضعفها، ولو صح عندهم الحديث بلفظه لما كان لهم أن يحكموا بتلك الأحكام، فابن هشام إنما يحكم على هذا الكلام المروي عن عائشة، ولو أن والدكتور زكي مبارك رجع إلى ما قرره العلماء في هذا في كتب النحو المبسوطة، وكتب الشواهد خاصة مثل خزانة الأدب للبغدادي لأفاد كثيراً ولما نعجل الأخذ بتلابيب ابن هشام. .

هذه مسألة، وهناك مسألة أخرى يمكن أن يفطن إليها الباحث في النحو، وهي أن أكثر الأحاديث التي يرى النحويون في ألفاظها مخالفة نحوية إنما رويت عن عائشة رضي الله عنها. . وليس تحت يدي الآن شيء من المصادر لأسرد كل ما ورد في ذلك، وهي على أي حال مسألة جديرة بالنظر وبالبحث. .

(الجاحظ)

<<  <  ج:
ص:  >  >>