١٣٦٧، فإذا الناس يفاجئون بمقدم القمص مثياس الأنطوني سكرتير غبطته مندوباً من قبله، ومعه إخوانه من رؤساء الأقباط في مصر، القمص جرجس إبراهيم رئيس الكنيسة القبطية الكبرى، والقمص عبد المسيح سعد، والقمص مرقص غالي. ودخول هؤلاء الأربعة الكرام إلى المسجد الجامع في ساعة الجمعة، ونيابتهم عن غبطة البطريق الأعظم في شهود هذا اليوم المشهود، وخطبتهم الناس في هذا المسجد، ومشاركتهم في أكبر مؤتمر إسلامي في مصر، قد دل دلالة صريحة على أن الأنبا يوساب البطريق الأعظم، هو رجل قد نور الله قلبه بالحق، وآتاه من الفطنة والصدق والأمانة في دينه وخلقة ما يجعل عمل هذا أمانة في عنق كل مسلم عربي، يحميها ويدفع عنها ويعتز بها ويكرم أصحابها في عامة أمورنا وخاصتها. وقد فعل ذلك من تلقاء نفسه غير متردد، فدل ذلك على أنه رجل سياسي مخلص، وعلى أنه يدرك تمام الإدراك كل ما يحيط بهذا الفجور الصهيوني من الخبائث، وعلى أنه يأبى أن يدخل بين أقباط مصر ومسلميها مفسد يبغي الوقيعة.
ومن قبل ما وقف هذا البطريق الأعظم موقفاً رد كيد لبريطانيين في نحورهم، وذلك في حادثة الزقازيق التي دبرتها بريطانيا لإفساد ما بين المسلمين والأقباط، فلولا حكمة هذا الرجل النبيل، لكان هذا الحادث البغيض سبباً في اشتعال نار الفتنة التي أشعلت بريطانيا مثلها من قبل لتفرق كلمة الأمة تفريقاً يجعل بعضنا لبعض عدواً. ونحن نحمد الله إذ جعل في إخواننا القبط رجلاً كهذا الرجل الجليل، يقف حارساً يقظاً على أمته وأمنا، يرد عنها كل مكيدة. وما دام في الأقباط هذا الرجل وأمثاله، فالمسلمون والعرب جميعاً لا يبالون بعد اليوم أن يبذلوا مهجهم في الذود عن إخوانهم، وفي حمايتهم، وفي الدفع عن كل شيء يسوءهم، ما بقى على ظهر هذه الأرض مسلم يؤمن بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر. إنه دين في أعناقنا للقبط، نسأل الله أن يهبنا القدرة على أدائه وإن أبواهم أن يقبلوا عن هذه المأثرة جزاء.
وأما الرجل الآخر فهو كصاحبه يتلألأ قلبه بنور الإخلاص والإيمان، تكلم فأبان عن نفس حرة أفزعت (اليهود المسئولين في مدينة الإسكندرية) أي يهود مصر، فأقبلت طائفة منهم تريد أن تثني هذا الرجل الجليل عن إذاعة حديثه، فأجابهم بأنه ما قال ما قال إلا وهو يعتقد أنه قول صريح سليم، وليس إقحاماً للدين في السياسة، وأنه يقصد حماية التراث المقدس