للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

- محام. . أستاذ. . هذا ما يخيله لك الجنون!. .

- الجنون. . .

- أخرس وإلا قتلناك!. . .

ولما أبصرت الجد في كلامهما، ورأيت أن من العبث مناقشتهما لزمت الصمت وأنقدت إليهما فضربا على يدي بالوثاق ورحنا نحث الخطى إلى مخفر (الحسنين).

ودخلنا المخفر مع الليل، ولم نتخط القبة حتى كنا أمام المأمور (القومسير) ولقد كان هذا يعرفني معرفة تامة فلك يكد يراني حتى انتصب واقفاً ونظر إلى رجاله مشدوهاً، وقلب يديه مستفهماً عن السر في القبض علي. فأجابه أحد رجاله:

- إنه يدعي أنه محام. . . وأنه أستاذ. . .

- من يكون إذاً؟. . .

- إنه المجنون الذي أرسلتنا بطلب، المجنون الذي روع المارة في سفح البرناوي هذا الصباح بما كان يلقيه عليهم من حجارة.

تألم (القومسير) لهذه الكلمات وارتسم الألم على محياه. ثم أسرع إلى الوثاق فحله وراح يستعذر إلى عن فعل رجاله، والتفت إليهما يؤنبهما. . وما ينفع الاعتذار!. وما يجدي التأنيب!. لقد كان ما كان وشدت يداي بالوثاق، وأخذت كما يؤخذ المجرمون والمجانين. . . لقد خرجت من المخفر وأنا لا أعي ما أصنع. . . لقد كانت الصدمة أليمة أنستني الخطابة، وزهدتني في النيابة. ولم يدر أحد بما أصابني فقد كتم رجال الشرطة - على غير أمتهم - الأمر ولقد كانت الطريق التي جزناها من البرناوي إلى المخفر مقفرة من المارة. . وأني لا أزال أحمد الله كثيراً على أن الخبر لم ينتشر وإلا رغب الطامحون عن الخطابة كما رغبت، وزهد المغرمون بالنيابة كما زهدت، ولأمست حماه لا تسمع لخطيب صوتاً ولا ترى لنائب وجهاً.

حماه (سوريا)

زهدي الشواف

<<  <  ج:
ص:  >  >>