للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المصلحة العامة رائدنا ونجاح الأمة غايتنا. .).

ما أعذب هذه الكلمات!. لقد طالما سمعتها تتردد في كل مكان وعلى كل شفة، يا للعجب:. . هذه الكلمات التي رفعت أناساً إلى مصاف الزعماء والقادة تنحدر بأبي رشيد إلى ظلام غرفته ووحشتها. . . ورحت أفكر طويلاً في أمر أبي رشيد!. . مسكين أبو رشيد!. . لقد حكمت عليه الهيئة الاجتماعية بالجنون ولا ذنب له غير الدعوة إلى الأخلاق القويمة. . ومن يعلم؟. لعل بين جنبي أبي رشيد نفساً أجدر بالزعامة من كثير من النفوس التي تتبوأ عرش الزعامة، ولكن الهيئة الاجتماعية حكمت عليه بالجنون فكان مجنوناً. لقد كانت مقاييس الجنون طبية بحتة، ولكن المجتمع جعلها اجتماعية بحتة فخلق من الحمقى قادة، وجعل من العقلاء مجانين.

وكان الليل قد انتصف فاضطجعت في فراشي وصورة (أبي رشيد) لا تبارح خيالي، وصوته لا ينفك بطرق مسمعي ضئيلاً ضعيفاً. ونمت وقد عولت على ترك الخطابة. . ونمت وقد شيعت كل آمالي وأحلامي. .

وما أشرقت شمس النهار حتى كنت أنهض من فراشي. . . وما مالت الشمس للغروب حتى كنت أدرج إلى (البناوي) لأنقع غليلي بالخطابة. . . لقد سلوت أبا رشيد، ونسيت العظة البالغة التي حملها إلى صوته في الليل البارحة. . . لقد مضت تلك العظة مع الليل وما كان الإنسان أن يتعظ بما فات. .

ووقفت على المنحدر كسابق عهدي أرسل الجمل المتتالية، والكلمات متداخلة حتى شعرت أن الأرض تهتز من وقع كلامي ورأيت أن الأشجار تتمايل في أقصى البستان من هول خطابي. ولقد تملكني الحماس فرحت أكثر من الإشارات. ونشأت أضرب الأرض برجلي. وفجأة شعرت بيد قوية تضغط على كتفي والتفت فإذا بمسدسين مصوبين إلى رأسي، وإذا أنا أنام أمام أثنين من رجال الشرطة الأشداء يتقدمان إلي ويحاولان إلقاء القبض علي ولقد سدت المفاجأة علي منافذ التفكير فلم أعد أدري ما أصنع، وهمت بالابتعاد عن الشرطيين ولكنهما صاحا بصوت واحد.

- حذار أن تتحرك وإلا قتلناك!. .

- وعلام ذلك. وما هذه المعاملة الشاذة!. احترموا الناس أنا محام. . أنا أستاذ. . أنا. .

<<  <  ج:
ص:  >  >>