خموله - أو تخامله - ويستشعر من ورائه سعادة وراحة ورضا.؟ أم هي سعادة اليائس وراحة القانط.؟ وكم من سعادة في اليأس، وكم من راحة في القنوط. .
ثم أيستطيع هذا الخامل - وقد وهب له الله عوامل النباهة مركبة في طوايا نفسه - أن يستنيم طويلاً إلى بأسه، ويسكن زماناً إلى خموله، والدنيا من حوله تتحرك ويسير ركبها. . . وأنداده فيها يصلون إلى منازل دونها منزلته، ويسمون إلى مكانات من تحتها مكانته، وتسعى إليهم الدنيا أكثر مما سعت إليه، مع أنه يشآهم علماً وفقهاً وأدباً، ويسبقهم ذكاء وحيلة.
وهل هذا خمول الذي يدفع نفسه بيت أحضانه دفعاً، يحلو له ويروقه على الدوام، أم أنه نوبة من نوبات يأسه، ومضاعفة من مضاعفات قنوطة، عما قليل يفيق منها ثم يعود إلى سيرته الأولى من الكفاح والجلاد والدأب في طلب الشهرة، والجد في سبيل نعيم الدنيا. .
على أنني أكاد أعتقد أن المرء الذي من حقه أن تنبه الدنيا شأنه، ولكنها حرمته النباهة، فدس نفسه بين أحضان الخمول دساً، إنما ابتغى من وراء ذلك الخمول ضرباً جديداً من نباهة الشأن. وما ذلك منه إلا الحيلة الأخيرة لليائس القانط. الحيلة الأخيرة يجربها، فيدعي الخمول، ويتخذه وسيلة إلى الشهرة. . ويمقت الدنيا لكي تسعى إليه، ويتجمع عن الناس لكي يتساءلوا عنه. .
هذه كلها ضروب من المعاني تنتاب ذهن الإنسان عندما يقرأ طوائف من شعر ابن الوردي.
زين الدين ابن الوردي - عمر بن مظفر - من أنبع شعراء النصف الأول من القرن الثامن الهجري. وقد توفي عام ٩٤٧ هـ وقد نشا في مدينة حلب، وكانت إحدى نيابات المملكة المصرية حينذاك. وقد أوتي ابن الوردي نصيباً محموداً من الذكاء وحضور البديهة وسعة العلم. فقد كان أدبياً كاتباً شاعراً فقيهاً. درس فقه الشافعي فبرع فيه وبذ إخوانه وأصبح من علماء هذا المذهب الأعلام، حتى أنه اختير للنيابة في الحكم - أي قاضياً في الأقاليم - ينوب عن قاضي قضاة الشافعية، وكان كفئاً في منصبه.
ومال منذ حداثة سنه إلى الأدب، فكتب وأنشأ، ودبج الرسائل والإجازات العلمية والمقامات والمفاخرات. وقرض الشعر وافتن فيه، ونظم في أبواب منه شتى، منها: الغزل والفخر