للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ذلك: (هل كان ابن الوردي خاملاً)؟. . والخامل في نظرنا رجل قليل الحيلة ضيق العطن قريب غور الذكاء. ولم يكن ابن الوردي كذلك. فقد قال:

أحسن مدارة الورى ... يعد عليك نفعها

كم من يد قبلتها ... كان بودي قطعها

لم يكن ابن الوردي قليل الحيلة، ولا كان خاملاً - كما رأينا - ولنه مع ذلك، اعتنق الخمول وأتخذه عقيدة له ومبدأ. فقمت الدنيا وذم أهلها، وأنجمع عن الناس وابتعد عن مجالسهم، وطلق المناصب وحمل على الساعين إليها. وكل هذا في مرارة لديه ولوعة. قال:

أتهزأ بي لما أجد وتلعب ... وتعجب من حالي وحالك أعجب

ألا طالما قد كنت مثلك ساعياً ... لجاه ومال جاهداً أتطلب

وطال اجتنابي للخمول فذقته ... فطاب فأحببت الذي أتجنب

وما العيش إلا في الخمول مع الغني ... فشكراً لمن في فضله أتقلب

رضيت كساوي واستخرت بطالتي ... وقلبي مسرور وعيشي طيب

وما ذاك من مال جزيل وإنما ... كفاني كفاف والقناعة تغلب

ولو ذقتم طيب القناعة متم ... عليها ولكن بدرها تهيب

تركت لكم عز القضاء وجاهه ... وأبعدت عنه خائفاً أترقب

فقوموا على ساقي حديد وشمروا ... لنيل علاء واهجروا النوم واطلبوا

وميلوا وجوروا واحكموا وتخولوا ... وصولوا وطولوا وانبذوا الزهد وانبهوا

ستعلم نفس أي حمل تحملت ... ليوم أسى من هوله الطفل أشيب

لقد نلت من كنز القناعة بغيتي ... وجانبت حرصي والحريص معذب

وعفت بني الدنيا وغادرت برهم ... لغيري فلا أشكو ولا أتعتب

(يتبع)

محمود رزق سليم

مدرس بكلية اللغة العربية

<<  <  ج:
ص:  >  >>