من الجاهلية إلى الإسلام، واتخذ أبا محجن مثلاً لها، فهو فتى من فتيان العرب تقوم الفتوة عنده على الحب والخمر والحرب والتغني بنشوتها في رائع الشعر وتقوم إلى جانب ذلك عزة تأبى الخضوع وتأنف أن ترتدع بالعقوبة؛ وقد تمادى أبو محجن في لهوه وشربه رغم إسلامه، ومرة يؤتي به إلى الفاروق عمر وقد شرب مع ندمائه بوادي العقيق، فيجلده عمر، فيصر على الشرب، فيعاود جلده ثم يأمر بنفيه، فيتغلب على الشرطي المرافق له في الطريق، وذهب إلى سعد بن أبي وقاص بالعراق فيحبسه. ثم ينشب القتال بين العرب والفرس، فتهتاج نخوة أبي محجن ويتألم لقيده الذي يمسكه عن خوض المعركة، ويعبر عن ألمه بأبيات من الشعر تسمعها زوج سعد بن أبي وقاص التي يطلب منها أن تطلقه ويعاهدها أن يرجع إلى قيده بعد انتهاء المعركة، فتطلقه، فينطلق إلى الحرب على متن البلقاء فرس سعد، ويحمل على جيش الأعداء حملة تفضي إلى هزيمتهم، ثم يرجع إلى قيده وفاء بعهده. وما يعلم سعد خبره حتى يفك قيده ويطلق سراحه، ويعلن أنه لا ينبغي أن يحبس من كان ذلك بلاءه، وأنه لن يحده إذا شرب. وهنا تتخذ الفتوة العربية صبغة الإسلام، فيقسم أبو محجن لا يذوق الخمر قائلاً إنه كان يشربها حتى لا يقال أنه ترك الخمر مخافة العقوبة، أما الآن فإنه يتركها خشية الله.
شياطين الشعراء:
تذيع محطة الشرق الأدنى للإذاعة العربية في بعض الأوقات جلسات أدبية تتكون من بعض الأدباء يتناقشون في الموضوعات الأدبية المختلفة، ومن طرائف هذه الجلسات ما سمعته في الجلسة الأخيرة التي تألفت من الأساتذة محمد عبد الغني حسن وعادل الغضبان وإسماعيل مظهر، إذ تناقشوا في (شياطين الشعر) فبدأ الأستاذ مظهر بطلب الكلام عن هذه الشياطين، فأجاب الأستاذ عبد الغني بأنه من العجب أن يكون للشعر شيطان عند العرب وإلهة عند اليونان، كما أن من العجب أيضاً أن العرب يعتقدون أن الشيطان إذا مس إنساناً تخبط وخولط في عقله، ويعتقدون مع هذا أن الشيطان يوحي إلى الإنسان بالشعر، فالشيطان عند العرب يوحي ويجنن. . . ولم يكنف العرب بذلك بل جعلوا الشياطين أنفسهم شعراء، ونسبوا إليهم شعراً. وكما سمى اليونان الآلهة بأسماء سمى العرب شياطين الشعر كذلك، فمسحر شيطان الأعشى وشنقناق شيطان بشار، وكان شيطان حسان من بني