ولقد أنصف فيها صديقنا الأستاذ أدهم كما أنصفني، فله أصدق الشكر وأطيبه. على أنني إلى جانب هذا الشكر حريص على الاعتذار له من ظهور ثبت المراجع لكتابي (الحان الحان) عاطلاً من أسمه. فلقد اقتصرت في أثناء اشتغالي بكتابي على الرجوع إلى بحثه الممتع في عدد الهلال الخاص بأبي نواس، وغنى عن البيان أني - كشأني في سائر ما أقرأ - أفدت منه كما أفدت من البحوث الأخرى، وقد أتيت على ذكر هذا العدد من الهلال في ثبت المراجع ولم يخطر لي وجوب النص على أصحاب هذه البحوث وجلهم من الأعلام وفي مقدمتهم أستاذنا العقاد. وأنا أقر بأن البحث المذكور يشتمل على التمييز بين أبي نواس وعمر الخيام بأن النواسي كان سكره عكوفاً على لذة حسية، وأن الخيام كان سكره هرباً من مشكلة فلسفية.
بيد أني أحب أن أقرر في الوقت نفسه أن مثل هذا الرأي عن الخيام قرأته كذلك لغير العقاد. ومما يرجع أنه من الآراء الشائعة وروده في بعض التراجم الفرنسية لرباعيات الشاعر الفارسي في مقدمة لها غفل من توقيع صاحبها، وهذا نص العبارة:
' ' ' (١)
(١) - ' '
وهذه ترجمتها إلى العربية:(فهو (أي الخيام) يستمرئ الوهم الفاسد بأن في هذه اللغات الجسدية مرضاة لنفسه وتسكيناً لعذاب فكره أمام مشكلة الكون).
ومعاذ الله أن يكون مرادي التعريض بأن العقاد ينقل عن غيره، فهو - غير منازع - موفور الغنى بإدراكه وحسه، عظيم الاعتداد بنفسه. وإنما قصدت إلى أن يكون هذا المثال الذي قدمته شاهداً على أن الكاتب مهما أوتي من أصالة الابتكار، فلا يحق له الغلو في القول بأن معانيه كلها أبكار، وأنه وحده صاحب عذرتها. فإن الحقائق قد يهتدي إليها أكثر من باحث. وفي الأدب المقارن مجال وأي مجال لمساق الشواهد وضرب الأمثال. وأحسب أن في هذا ما يخفف بعض الشيء من شدة غيرة الأستاذ العقاد على إبكاره، وأن كان هذا لا يعفيني من استيفاء ثبت مراجعي لولا ما تقدم من العذر.
أما التعليل الذي ذكره الأستاذ فلعله يعدل به إلى غيره إذا علم أني لك أقدم أصول كتابي إلى دار المعارف إلا في هذا العام. ذلك إذا كان قد أنسى ما نشرته عنه من الدراسات