كان يزمجر ويهرق ويرعد ويدعو على الذين آذوا حفيده الأقصى، ويدهش لمألته وليونته واستسلامه وينعى عليه تسامحه، أما الزمن فقد تغير وسار على عجل. والعصى التي كانت تسوق الجماعة، أمست في أيديهم يسوقون بها الفتى الغريب ولا يبالون!! أليس يلقاهم بالكلام في السهل والجبل ويحاورهم بالكلام في الحقل والدار، وعندما يحمي وطيس المعركة يجرد عليهم سيفه ويصوب نحوهم سهامه ويشرع في وجوههم رمحه، ويخفي وجهه الهادئ وراء درعه، ولكن السيف والسهام والرمح والمجن كلها. . . كلام. . . كلام. . . كلام عذب ومر وحار وحار. ولكنه كلام لا عهد لهم به. ولكنه كلام سيوف وخناجر ومدافع وقنابل ودبابات ونسافات (ماشين شلز) من نوع متمايز
كان السائح عائداً من بلدة في الصين، ولكنها لم تكن وطنه بل كان وطنه وراء بحار الغرب والشمال. فهو هارب من الحضارة باحث عن الوحدة والعزلة الدائمة عن أهل الغرب والشمال. وقد ظن أن ما يسعى إليه قد يكون في الشرق وراء الجبال الشاهقة والبحار العميقة والصحاري المترامية الأطراف.
طوحت به الأيام إلى هيكل نيبوس إله النور في مدينة طاس كند، وراء جبال هيدار، وهي الشامخة المعتمة بالجليد، طوال العام، وأن جليدها لا يذوب ولا يجري ماء على سفوحها.
ولكنه يبقى أبداً مكتلاً، ملتفاً، ناصع البياض كأنه شعر جسم على رأس شيخ هم، اشتعل شيباً، وزاد على ممر الأعوام وضوحاً وشمماً. ولم يعلم الكهنة كيف وصل هذا الغريب الأشعث إلى باب الهيكل فقد وجدوه مرتمياً على العتبات متشبثاً بالأحجار، لم يسمعوا له صوتاً وما شهدوا له حركة، فلما دنوا منه تبينوه، فوجدوه خائر القوى، منقطع الأنفاس، مغمض العينين، شاحب الوجه مكشوف البدن، وفي معظم أجزائه، ولمح أحد الكهنة أن قدميه تقطران دماً. وكانت له لحية سوداء بلون البقية من شعره فهو بلا ريب شاب لم يتخط الثلاثين من عمره، وأن كان النصيب والهم والأمل الخائب قد خطت على جبينه سطوراً عميقة كأنها محفورة بقلم من فولاذ في صفحة من المرمر الأصفر. وكانت عيناه حادتين، لم تتغلب الآلام على ما يشع منهما من دلائل الحيوية النابضة. وقد تمتد نظراته إلى ما وراء الأفق، كأنه يرى شيئا ًبعيداً انفرد هو وحده بشهوده فهو يراه يقيناً ولا يريد أن يشرك أحداً في رؤيته، ولعله يخشى أن لا يصدقه أحد أو يشك في صدقه هل هي رؤية أم