فلم يملك الكهنة أن يغلقوا الباب ويتركوا هذا الميت الحي وراءهم نهباً للذئب والدب وليس في وسعهم أن يدخلوه بدون تطهير من أدران الدنيا فهو غريب منبوذ ولا يجوز لأحدهم أن يمسه ولا بجولة أن يمس أحداً. فهنا تفريق بين الطهر والدنس والنقاء والرجس. وهنا نظافة الجسم تحتمها طهارة النفس. لقد هلك كثيرة من القاصدين إليهم قبل أن يصلوا، وضل سالكون عدة دون أن تدنوا أقدامهم من العتبات. . . ولكن كل من يلمس العتبة لا يرد، ولا يطرد لأنه وصل. فإن كان على قيد الحياة فلا بد من الإذن بقبوله. فما ذنب هذا حتى يحرم؟ ألم يقرءوا في وصية نيبوس (بلوغ الباب قرين الدخول) ولكنهم أغلقوا الباب ليعودوا إليه بعد لحظة بإذن الدخول. فينقلوه فلما فتحوا الباب والتمسوه لم يجدوه في حدود الجدران فأخفقوا في العثور به حتى الصباح
- ٢ -
وقال الأول: أن أثوابه به أطمار بالية فهو أكثر رضاً للافتراس
والثاني: لقد نحل خداه وتجعدت يداه فمن يكون هذا المسكين الذي قادته قدماه إلينا أهارب لاجئ أم طالب حكمة أم طالب قوت؟. . . وقال ثالث: ليس طالب قوت ولا لاجئ. ولكنه ينشد الهدوء واطمئنان النفس، أنه بالشك فار من دمامة الحياة التي قضى نضارة عمره في أحضانها. لقد تكشفت له عن حقيقتها ففر بالبقية الباقية من نفسه. ولكنهم كانوا يبحثون عنه قبل البحث عن سبب قدومه إليهم لأن نجاته من الهلاك أفضل من الكشف عن سر قدومه.
وقال أكبر سناً: صدقوني يا أخوتي أنكم تجيبون عن سؤالات يعجز صاحب الشأن نفسه عن الجواب عليها. فإن لمثل هذا الرجل ناحية غير موجهة إلى تحقيق أغراض بعينها.
وأن كانت له أغراض فقد نسيها أثناء الجهود التي بذلها حين كان يحاول بلوغها. ولا بد له من هذا النسيان وسر ذلك راجع إلى أن القوى التي ينفقها هي من فيض ما أعده له الإله لتحقيق أغراضه فيه - وهو الهدف الأعلى.
فهمهم أحد الكهنة وكان قصير القامة نحيل البدن أصفر الوجه وقال: الهدف الأعلى! ما فتئت أذكر الهدف الأعلى وأسمع عنه. .