وراحت إيطاليا الفاشية تحذوا حذوها في بلادها، وتشبهت بها دول أخرى في أوروبا الوسطى، وتدفق اليهود من كل قطر من تلك الأقطار إلى ارض الميعاد، أو ارض الوعيد!
كانت قضية الهجرة إلى فلسطين قضية معلقة، أو مشكلة راكدة لا تفلح المساعي الصهيونية في تحريكها.
فلما انتشر الحكم الدكتاتوري في أوروبا تحركت المشكلة بعد ركود، وطغي على فلسطين مدة البحر بعد جزره، وتكسرت أمامه السدود أو فتحت له أبوابها وهي طائعة، لأن أبوابها كانت بأيدي الإنجليز، وكان الإنجليز في حاجة إلى جماعة صهيون، فقابلوهم على أبواب السدود بالإغضاء، وازدادوا على الإغضاء أحياناً فقابلوهم بالتشجيع والترحيب.
ثم دالت دولة النازيين والفاشيين.
وكان خليقا بالمد أن ينحسر بعد أمان اليهود من بطش الصليب المعقوف، وباس (الحزمة) المضمونة.
ولكن اليهود لا يعلمون في غير أسواق.
وليس في بلاد المهزومين أسواق تصلح للمساومة والاستغلال.
ولو راحت الأسواق في أوربة لكدست الصهيونية في فلسطين، وليرتد عنها كل صهيوني غيور ولو قيدوه في مكانه بالسلاسل والأغلال.
كساد أوربة لم يكن نكبة على أهلها وكفى.
ولكنه كان نكبة على ارض عربية لا ذنب لها في ذلك الكساد، وكان نكبة على الشرق القريب كله من وراء تلك الأرض العربية، ويوشك أن يكون في الغد - أبعده الله - نكبة على العالم بشرقه وغربه، ومن أدناه إلى أقصاه.
عالم متشابك الأطراف.
عالم له جهاز عصبي واحد، وقد كان منذ عهد قريب خمسين أو ستين بنية حية: كل بنية لها جهاز لا يضطرب في مكانه إلا لما يعتريه.
هذه هي العبرة الكبرى من قضية فلسطين، ومن كل قضية تشبهها في هذا الزمان.
فأيا كان نظام الحكم في قارة دانية أو قارة قاصية، وايا كان حال الرواج والكساد في هذا