للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القطر وذاك، فالجهاز العصبي واحد، والطعنه هنا يدمى لها الجسم هناك، وقد يكون الطاعن في المغرب هو الطعين في المشرق إذا دارت الدورة في مجراها، وذهبت الأحداث مع جرائرها، وعمت الطامة الكبرى وهي لا تخص أحداً في هذا العالم المتشابك الأطراف.

ولقد كان عالم كهذا في اشد الحاجة إلى السياسة العالمية العادلة، لان الظلم فيه حيث كان بلاء مطبق على كل وطن، وكل إنسان.

لكنه وجد السياسة العالمية، ولم يجد العدل فيها.

وجدها ناقصة مختلة، وجدها منحرفة معتسفة، وجدها خيبة أمل وقد أرادها مناط رجاء ومعقد يقين.

وهنا الحيرة كل الحيرة في وزن هذا الرجاء.

فأما النكول عن (السياسة العالمية) فليس في مقدور أحد يعيش اليوم في هذا العالم، ويربط الحس والحركة بأعصاب ذلك الجهاز المتشعب الدقيق.

وأما الرضا بهذه السياسة العالمية فليس في مقدور المصاب بها ولا في طاقة الخاسرين فيها، ونحن الشرقيين من أولئك الخاسرين.

لكننا نضع السؤال الذي تنقطع به الحيرة حين نقول: هذه هيئات عالمية تتعسف الطريق، فما الحكم عليها جملة واحدة؟ هل عدمها خير من وجودها أو وجودها خير من عدمها.

وهنا تنقطع الحيرة عند كل موازنة بين النتيجتين المتقابلتين.

فوجود هذه الهيئات العالمية خير من عدمها على كل حال، لان أميركا، التي تعمل بالأساطيل والجيوش والأموال، شر من أميركا التي تعمل بالمناورات واصطياد الأصوات، والتزام الظاهر في جميع هذه المناورات.

أو قل أن المجتمع الذي تقضى محاكمه أحياناً على البريء، وتفرج عن المعتدي، خير من المجتمع الذي لا محكمة فيه.

وأجدر الأوقات أن نذكر فيه هذه الحقيقة هو الوقت الذي تملكنا فيه حمية الغضب فتسخط على الدنيا وما فيها، وننسى الشر البعيد بما اشتمل علينا من شر قريب.

إن القوى في المجتمع يستطيع أن يغلب الضعيف عنوة ويستطيع أن يغلبه بما يملكه من وسائل التأجير والتسخير.

<<  <  ج:
ص:  >  >>