لاستعصى عليه في بعض الأحابين أن يبرز رأيه في وضوح، فكان لابد من الاعتصام بالنثر، حتى يفهم عنه الجمهور ما يريد.
وأنت حين تطالع أشعاره عامة ترى عليها مسحة التسرع والعجلة، لأنه يترجم عن عواطفه بدون تكلف، وله من جهاده ما يشغله عن التفكير في معنى غريب أو تشبيه نادر، كما يصنع عبيد الشعر في كل زمان ومكان، على انه مع ذلك مطبوع على التصوير الفني، والديباجة المشرقة، واللفظ الموسيقي.
وإذا أردت أن تنظر لشكيب كشاعر متأنق، فأقرا مساجلاته مع الشعراء ومعارضته لأقرانه الأفذاذ، فهو حينئذ يحرص على أن يكون معهم في درجة واحدة - على رغم فراغهم واشتغاله - فتراه يغوص على المعاني الفائقة، ويتفنن في التراكيب الممتازة، ويطير مع الخيال في آفاقه الشاسعة، واليك قصيدته:
هل لسان أقواله الإلهام ... وبيان آياته الأحكام؟
فانه عارض بها قصيدة شوقي:
رضى المسلمون والسلام ... فرع عثمان دم فذامك الدوام
فكان شكيب رائعا مبدعا، يسوق في تسلسل وانسجام، حتى استطاع أن يوازي أمير الشعراء في دقته وبراعته، ومن العجيب انه يتواضع اكثر من اللائق فيقول في قصيدته:
أو أُعارض فتى القريض فما عا ... رضَ ورد الحدائق القُلام
واحب أن الفت القراء إلى قصيدة أخرى من هذا النوع، انشدها الأمير في حفلة خيرية أقيمت لمعاونة مجاهدي طرابلس الغرب، وكان من شعرائها شوقي ومطران وشكيب، وقد قرأت قصيدة الأمير فوجدته اكثر إبداعا من غيره، فقد كان نسجه عباسيا، وخيالة عربيا يحلق بك في أجواء حوم فيها أبو تمام والمتنبي، ويريك كيف تكون براعة المطلع وقوة الأداء فهو يقول:
سلا هل لديهم من حديث لقادم ... من الغرب يروي فيه غلة هائم
وهل نظروا من نحو (برقة) موهنا ... فلاح لهم منها بريق الصّوارم
تالق في ليلىْ ظلام وقسطل ... فتنشئ سحب الدمع من طرف شائم
مواطن اخوان تملوا من الردى ... كؤوسا تساقوها بمل الحلاقم