تهيهم فيها العدو مهاجاً ... فجاء دبيب اللص في ليل قاتم
ولّين في إقدامه من إهابه ... وهل يخدع الإنسان لين الأرقام
ثم يمضي بعد ذلك فيصف أرنب (رومة) مهكما، ويمدح ضراغم هاشم معجبا وهو نظمه يجلجل غريبة، وياتي بالحكمة فذة رائعة كان يقول:
وما طال نوم السيف إلا تنبهت ... عيون الدواهي منه عن جفن نائم
وللقارئ أن يحكم بهذه القصيدة على شاعرية الأمير الناضجة وقريحته المتوقدة، ولعله يتساءل معي أي مستقبل كان ينتظر الأمير في عالم الشعر لو صرف كل همه إليه كما فعل شوقي وحافظ وأي منزلة يحتلها بين الشعراء العربية الخالدين.
وتعجبني علاقة شكيب بزملائه الشعراء فقد كانت ترضى أصحاب المثل العليا في الأخلاق، فهو لا يعجب بقصيدة يطالعها في الصحف إلا ويسارع إلى تقريظها من ثناء، ونحن نتلمس الآن هذه الروح الطيبة، فلا نجدها في معشر من الناس بل نجد ما يناقضها من الغل والحسد، ولكن شكيباً أفلاطوني يقود الناس إلى مدينته الفاضلة فليهم اتبعوه!
ولقد كان يتحمل كثيراً من المصاعب في نصرة زملائه الأدباء من كتاب وشعراء فقد وقف أمام اليازجي وهو من هو في ومنه سعة شهوة، وصلابة راي، ليذب عن شوقي، ويدفع الحملة التي شنها صاحب الضياء عليه، وكلها هنات لغوية، ومآخذ صرفية سطعت عليها شمس شكيب فبددت ضبابها الكثيف وكان هذا الدفاع المجيد وشيجة قوية ربطت أمير الشعراء بأمير البيان فاصبح صفيه الأول، وخدينة المختار، وماذا تقول في مودة عريقة مكثت أربعين سنة وهي في كل يوم تنمو وتترعرع حتى خطف الموت شوقياً، فكتب عنه شكيب سفراُ قيما ورثاه بقصيدة جمعت إلى صدق اللوعة وحرارة العاطفة براعة الوصف ودقة التعبير، فهو يبرز تلك شعر شوقي في صورة لا تنطبق على غيره، ويرسمه أمامك رسما تتجلى فيه ملامحه وخصائصه فهو يقول:
رقت لنغمته القلوب فكيفما ... غنى بها رقصت على نبراته
فترى الطبيعة قبل نظرته لها ... غير الطبيعة وهي في أمرأته
والحسن يشرق في العيون بذاته ... وهنا يضئ بذاته وصفاته
لو بات يعبث بالشراب أضاف من ... كأساته حببا إلى كاساته