أو خاض في ذكر العذيب تشابهت ... أعطاف مستمعيه مع بأناته
يلقي على غمرات كل ملمة ... قولا يزيل أجاجها بفراته
فإذا تحدث بالربيع ووشيه ... أنساك بالتحبير وشى نباته
فأي وصف هنا لا ينطبق على شعر شوقي، وأي تصور لا يوقفك على خصائص أبياته؟ الحق أن هذا الكلام ينبئ عن مكانه قائلة الممتازة في عالم الفن، ويدل على الحد الذي وصل إليه رحمة الله في الجودة والبراعة، مما يجعلك تصدق قول شاعر القطرين في رثائه
ولي أخو ألا فذاد من شعرائها ... في جاهليتها، وفي الإسلام
جاري الفحول فلم يقصر عنهمو ... في حلبة الإفصاح والإفهام
شتان بين الشاعر المطبوع في ... إحكامه واللاقط النظَّام
ولقد نظم الأمير في اكثر فنون الشعر من غزل ومديح وسياسة واجتماعيات، بيد انه كان سباقا في الرثاء والوصف، وإبداعه في الرثاء ليس بمستغرب منه فقد كان ذا وفاء نادر لأصحابه وإخوانه فإذا فجعه الدهر في واحد منهم لجا إلى القريض يبثه عاطفته، ويشكوا إليه تباريحه. والواقع أن دموعه الشعرية قد بينت لنا كيف يحافظ الصديق المثالي على مودة صديقه، إذ بقي له اصدق وفاء في القرب والنزوح ورثاء الأمير لصديقه أمين فكري يؤكد ما نقوله فهو يقول:
حملت له بين الضلوع أمانة ... لو احتملتها الشم ذابت تصدعا
وأصفيته منى إخاء لو انه ... أعار الليالي صفوها رقن مشرعا
ومازالت أرعاه على البعد صاحباً ... وقبلي لنجم الأفق من قد تطلعا
فان يك هذا الأفق غرب بدره ... فلا زهرت فيه الكواكب مطلعاً
فكم من يد أضحت تدق بأختها ... وكم شفة باتت تجاور إصبعاً
أخلقت ثغراً عد ثغرك باسماً ... وطرفا تمنى أن ينام فيجعها
أنا ديك لا ارجي الجواب فقد مضى ... ويا لهف نفسي أن أقول فتسمعا
فلو صادحات الأيك يدرين من ثوى ... لما بتن إلا في رثائك سجعا
وهو في مراثيه لا كتفي بسرد عواطفه بل يتعرض إلى مناقب الفقيد فيجلوها جذابة من مرآة شعره، لا كمن يحشد في مراثيه ما شاء من الأخيلة والتصاوير دون أن تتصل اتصالا