الدراسة قصيرة فهي تقع في عشرين صفحة من القطع الكبير.
أبرز صفة في هذه الرسائل، وهي مما يمتاز به صاحب بن عباد أو قل أن شئت أنها سمة العصر كله، التزم السجع وتكلف البديع أو كما انتهى المدخل إلى القول (ونرى من كل ما سبق أن صاحب عنى بطول الجمل وتحليها بالبديع، وخاصة الجناسات والاقتباسات والتشبيهات والاستعارات).
وعندي أن شيوع الزينة اللفظية، والتنميق الخارجي للاساليب، إنما يرجع إلى أن الحضارة الإسلامية وقفت عن الابتكار، وانصرف الناس مع استتاب الملك وغنى الدولة إلى شغل الفراغ بالتأنق والتجميل، ولهذا نجد الحلية والزركشة وزينة تدخل إلى صميم كل فن من الفنون. حلية في الخط والكتابة، وفي النقش والعمارة، وفي الملابس والنسيج، وفي الشعر والنثر كذلك.
وسأل المحققان في دراستهما أنفسهما سؤالا له قيمة عظيمة (أكان للفارسية اثر في كتابة الصاحب، وقد قلنا آنفا انه كان يتقن الفارسية؟)
ويبدو أن عبد الوهاب عزام بك - هو أستاذ الأدبين والعارف باللغة الفارسية - اثر التحوط فقال (وأما أن تركيب الجملة العربية طاوع تأثير الفارسية، أو أن أسلوبا من أساليب العربية يعد محاكاة لأسلوب فارسي، فأمر عويص ينبغي إلا يقدم عليه الباحث المثبت إلا بعد بحث طويل دقيق).
فأنت ترى أن علامة الاستفهام لا تزال موجودة أمام السؤال والطريق مفتوح أمام الباحثين.
وقد وقف طويلا عند قول المحققين (ونحن نجد في الرسائل نزعة واضحة إلى القول بالاعتزال والدعوة إليه). فهذا البحث، واعتنى به الاعتزال والكلام وما يتصل بهما مما تهفو إليه نفسي، وكنت احب أن أجد في الرسائل ما يشبع رغبتي، صحيح أن ياقوت يقول عنه انه كان (مثل أبيه يذهب مذهب الاعتزال). غير أن قول ياقوت يحتاج إلى تأييد من نصوص الصاحب نفسه. والذي اعتمد عليه المحققان في نسبة الاعتزال إليه جاء في الرسالة التاسعة من الباب العاشر (مولاي يتدين بتعديل ربه، ويعرف مواقع اللطف في صنعه، ولا يشك في اقتران الصلاح بفعله). وهما يعتمدان على رسالتين في الباب السابع عشر حيث يقول في الرسالة الثانية إلى أحد شيوخ بعد الكلام (وعلى هذا الذكر فقد كان