الحق يحتاج إلى أدوات من حسن الاستعداد وهضم المادة ومطاوعة التعبير حتى يكون طيعاً للمعاني الموجزة والأفكار المركزة.
وأظن هذه الأدوات قد اجتمعت للدكتور الأهواني فجاء كتابه في معاني الفلسفة على خير ما تجيء عليه كتب الخلاصات العلمية التي كونتها قراءات وأمدتها مطالعات بين القديم والحديث، وبين العربي والإنجليزي والفرنسي.
وقد فرح مؤلف الكتاب لأنه رأى الناس - يعني ناس العرب - يقبلون على الفلسفة، بعد أن ظلوا بعيدين عنها نافرين منها. وهي فرحة الزارع حين يحصد، لأن صديقنا المؤلف اشتغل بتعليم الفلسفة ولا يزال مشتغلاً بها. ولكنه - أثابه الله - ما باله يضيع وقته ويغني عمره في تعليم الفلسفة مع أنه يقرر في الصفحات الأولى من الكتاب أن كل إنسان ما دامت له نظرة في الحياة فهو فيلسوف. وقد يكون هذا الكلام مقبولاً من أديب أو شاعر، أما أن يصدر من مشتغل بالفلسفة ومعلم لها فذلك ما لم أستطع أن أفهمه. وأنا أجد أن أصحاب الصناعات دائماً يحاولون تعميتها على غيرهم ويلبسونها ثوباً من الرهبة المحوطة بالغموض. ولكن الدكتور الأهواني يكشف بضاعته من الفلسفة في غير خفاء. ويهون في أول الكتاب من أمر الفلسفة حتى ليجعل الناس كلهم فلاسفة؛ فإذا مضيت معه في ثنايا الكتاب وجدت الفلسفة على حقيقتها ليست شيئاً كما يحاولون أن تجعلنا نتصور. ووجدت في قوله بفلسفة كل إنسان في الحياة مغالطة في التعبير؛ وأكاد أجزم أنها مغالطة مقصودة في أول الكتاب ليستدرجنا بها إلى آخره. . . ودليل على ذلك أن المؤلف استدرجني أنا إلى قراءة الكتاب لأميز على الأقل بين فلسفتي التي يزعمها في، وبين فلسفة الذين كونوا تلك المذاهب العالية. فأدركت آخر الأمر أنني ككل إنسان عادي. . . لست فيلسوفاً ولا مشتغلاً بالفلسفة. وأدركت أن نظرة كل إنسان إلى الحياة لا تسمى فلسفة، ولا يسمى صاحبها فليسوفاً. وإلا لكان زهير بن أبي سلمى الشاعر الحكيم فيلسوفاً بسبب هذه الحفنة من النظرات التي وضعها في معلقته. أو كان أبو العلاء المعري فيلسوفاً بماله من وجهة نظر خاصة في الحياة.
وقد قسم المؤلف الكلام على الفلسفة متمشياً مع تاريخ العصور، فهو يبدأ من اليونان ثم الرومان ثم المسلمين حتى يصل إلى عصر النهضة الأوربية فالعصر الحديث. وهو تقسيم