والده، وفي كبير الوزراء والخصى الضالعين معه، ولم يسلم من الضعف من الشخصيات العربية سوى (الزهراء) زوج الناصر، هذا ما شجعني على القول أن طابع الرواية أندلسي موشي بالذهب العربي، وهذا ما يجعلني أزعم أن الطابع الأندلسي هو الذي أزكى حدس النظارة فجعلهم يستشعرون بفطرتهم أن الزاوية ليست روايتهم، ولعل مرد ذلك إلى الشعور العربي السائد بيننا اليوم.
ليس يعني هذا أن الرواية لم تلق نجاحاً عظيماً، بل أعني أن عنصر النقد عند المؤلف البارع لم يكن حاد اليقظة، ولكني أقول بعقيدة وصدق أن الأستاذ الشاعر الكبير عزيز باشا أباضة يملك أكثر الخصائص الأدبية والفنية التي تؤهله لأن يكون أول مؤلف للمسرح بل المؤلف الموهوب الوحيد المعروف حتى الآن لمسرحنا العربي المرتجى.
الكلام في فن الأستاذ زكي طليمات مخرج الرواية، إنما هو تحصيل حاصل، وتحصيل الحاصل هذا معناه التعريف بما هو معروف عن هذا الفنان المتتبع الدؤوب الذي لم تنقطع صلته بالمسرح قط، والذي لم يغفل عن التطورات والمستحدثات وعن كل ما يمت إلى فن التمثيل بسبب. ولكن يطيب لي أن أضيف تعريفاً جديداً، وهو أن للمؤلف المسرحي يدا مغناطيسية تجذب الأستاذ طليمات تارة إلى فوق، وعندها تتبدى مواهبه، وتشرق معلوماته المدخرة، وتتفتق ابتكاراته الذاتية؛ وتارة أخرى تجذبه يد المؤلف المسف إلى تحت، وفي الحالتين يكون المسكين أسير الانجذاب.
لقد كانت يد الشاعر عزيز أباظة باشا قوية في جذبها إلى فوق، بل كانت روحه الشاعرية هي التي تغلغلت في مسارب مشاعر الأستاذ طليمات، وقد انتفض كالنسر، وتجرد للإخراج، وأخذ بهدوء يكمل عمل المؤلف، أولاً، بإعطائنا صورة مجسمة للرواية، ثانياً، باشراك خيالنا مع ما أشركه الشاعر في حسنا، ثالثاً، في إدغام الخيال بالحس ليصيرا حياة واقعية عملية تتجسد في أقوال الممثلين وفي حركاتهم وتنقلاتهم وإشاراتهم، لترتفع بعدها إلى عرش الذهن المفكر.
لقد ملأ المخرج بصرنا وسمعنا بالأنوار والمناظر، بالتوجيه والألفات، بالإشارة والإيماءة، بالسرعة والبطء، بالكثير الكثير من الدقائق الفنية التي يعيها ويدركها، وقد لا يعيها ويدركها سوى الإنسان المثقف.