أفكارنا أن يصدر مثل هذا عن مسيلمة، فالمعارضة الأولى يلاحظ فيها الاستقصاء الذي لا يعرفه إلا أهل الصناعة من محترفي الكتابة، أما العربي الأول فما أظن أنه يبلغ به التتبع والاستقصاء إلى حد أن يبتدأ ببذر الزرع وينتهي بلقم الثريد، وما بقي عليه بعد ذلك إلا أن يختم عبثه بالخاتمة الطبعية لهذا الترتيب! ولا شك عندي إن هذه المعارضة دليل واضح في ذاتها على إنها من وضع فكه متطرف سخف فأجاد السخف، وليس فيها تقليد للقرآن - كما يقول الرافعي في سبب ضعفها - فإن القرآن لم يكن يسترسل هكذا في معنى واحد حتى يصل به إلى غايته، والمعارضة الثانية فيها تكرار من غير مناسبة، والكلمة الأخيرة أشبه بأن تكون موضع الفكاهة في السورة!!، وأنا لا أدري لماذا يعمد مسيلمة إلى وصف الفيل هذا الوصف الساذج، وهو ليس من الحيوانات المألوفة عند العرب، ولماذا أختار الضفدع وهو حيوان حقير صغير، وهو بعد ليس مما يشغل ذهن العربي؟ ويبدو لي إن الرافعي انساق في تيار الجاحظ فقد جاء في كتابه الحيوان عند الكلام عن الضفدع قوله: ولا أدري ما هيج مسيلمة على ذكرها، ولم ساء رأيه فيها، حتى جعل بزعمه فيما نزل عليه من قرآنه: يا ضفدع بنت ضفدعين. . . إلخ ولكني أظن إن الجاحظ لم يقصد غير السخرية، وإنه يعلم إن ذلك من موضوعات الظرفاء فجاراهم، فأنا إذا وضعنا هذا القول بجانب قوله الذي نقلناه آنفاً خلصنا بهذه النتيجة.
من يطالع كتب الدب يجد أن المتنبئين كانوا مادة دسمة للتظرف، وكم من طرفته ألصقت بهم، وما كان يصح أن يتركوا مسيلمة دون أن يتفكهوا به، وهو أشهر متنبئ، ولعل من ذلك ما حدثوا إنه أمهر سجاح النميمة حين تزوجها بإسقاط صلاتين من الصلوات التي جاء بها محمد، كأن مسيلمة كان يؤدي هو وأتباعه وأتباع زوجته النبية الصلوات الخمس، ويتعبد شريعة الإسلام!.
ولذلك نجد المتطرفين والمتهكمين ينسبون القصة الواحدة في بعض الأحايين إلى أكثر من واحد، فهم لا يعنيهم إلا الحكاية، أما عمن صدرت فذلك أمر ثانوي.
ذلك رأيي في هذه المعارضات، وما كنت أحب أن تساق سوق القضايا المقطوع بها، سواء كانت في كتاب أو في مجلة، ولا سيما إذا جاء في جو البحث العلمي لأن ذلك يوقع في الأذهان إن ذلك أمراً قد اتفق على ثبوته، وليس حوله شبهة ولا عليه اعتراض.