وزاهدون في آداب غيرنا. . . بل يقول أنا واقفون في حياتنا الأدبية عند ما يقابل ركوب الإبل والحمر في حياتنا المادية! ففيم كان ما كان؟. . .
ومن ظريف المفارقات إنه يقول ذلك في نادي خريجي القسم الإنجليزي في كلية الآداب الذين يوجهون جهودهم الأدبية كلها إلى دراسة الأدب الإنجليزي وإذاعته بالإذاعة المصرية التي توليه من عنايتها ما لا يظفر به أدبنا!
الصفحات المزوقة
كانت صحفنا اليومية قبل الحرب تخصص كل منها صفحة من صفحاتها للآداب والثقافة العامة، وكانت تلك الصفحات تقدم للقراء زاداً فكرياً من ثمار الأقلام الناضجة، ثم كانت الحرب وكانت أزمة الورق واختفت تلك الصفحات. ولما فكت قيود تحديد الصفحات بعد الحرب عمد كثير من صحفنا إلى تخصيص بعض صفحاتها ل. . لأي شيء؟ لست أدري اسم الذي تنشره هذه الصفحات المزوقة المزركشة، فشيء أحمر، وشيء أخضر، وشيء أصفر. . . وكثير ما ترى في وسط هذا صورة فتاة في وضع مثير. . . وأختار لكل ذلك عناوين لا يتوخى في وضعها أن تدل على الموضوع، بل توضع على نحو يلفت الأنظار ولو لم يكن ذاع في الموضوع أهمية. . .
كنت وما زلت أنظر إلى هذه الصفحات وأقف عندها، أني مبتلي بأمرين. الأول تتبع ما يكتب شبيهاً بالآداب والفنون، الثاني الميل إلى تأمل معارض المحال التجارية (الفاترينات) رغم ما يفزعني من غلاء سلعها في هذه الأيام مما يحملني على الاكتفاء بالتأمل والمضي في طريقي. . . وكذلك حالي مع تلك الصفحات، إلا إن الذي يصدني هنا ويحملني على المضي هو رخص محتوياتها! ومن الغريب ما رايته مرة لأحد من يكتبون تلك الصفحات الملونة: أبيات، تحت صورة امرأة، يقول فيها فتاة أحلامه. . فهل هي صورة لفتاة يحبها وينشرها على الناس، أو هي صورة امرأة، أية امرأة!
ولم أكن مع كل ذلك مستريح الضمير، فكنت أتهم نفسي بغمط تلك (الآداب) التي قد تكون (رفيعة) ولكنها لا تلائم مزاجي، ولكن خفف عني هذا القلق النفسي الدكتور حسين مؤنس بما كتبه في (البلاغ) تحت العنوان الذي يتخذه لكتابته يوم الأربعاء وهو (ما سمعت وما رأيت وما قرأت) وخص الموضوع الذي نحن بصدده بالكتابة عنه فيما رأى لا فيما قرأ