الإنجليزي أنه نظم قصيدة مطولة من أجود شعره وهو نائم، ولست أستبعد ذلك. لأنني تتفق لي أبيات من الشعر أنظمها في المنام وأنا مشغول الذهن بالنظم أو غير مشغول، ولإن لم يتفق لي في هذه الحالة نظم المطولات.
أما استحالة النظم والإصغاء في وقت واحد فليس بواقع. لأن الإصغاء تخيل لا حقيقة له في الخارج، وكل ما فيه أنه هو الصورة الرمزية التي اتخذها الوعي الباطن لظهور تلك الأبيات فيه.
ومن طبيعة الأحلام أنها رمزية تتخيل المعاني والمؤثرات في صورة المحسوسات. فيبدو للمكروب في حلمه أن عدواً مطارداً يشدد عليه الخناق، وأن وحشاً مفترساً يبطش به في مكان لا مهرب منه وهكذا يتخيل الوعي الباطن أنه يصغي إلى متكلم وهو الذي ينظم ما يصغي إليه في الخيال.
وبعد فلا استحالة - حتى أثناء اليقظة - في تسجيل العقل الباطن شيئاً والتفاته مع الحس إلى شيء آخر.
فقد جربنا جميعاً أن نستغرق في التفكير ويمر بنا إنسان نعرفه فلا نلتفت إليه. ثم نذكر أنه قد مر بنا بعد انتهاء حالة الاستغراق، وقد نذكر أنه قد حيانا بكلمات نحفظها ونحسب أننا لم نسمعها حين فاه بها، ونحن قد سمعناها وسجلناها على غير انتباه.
ولا حاجة بنا في هذه الظاهرة إلى فرض المصادفات، لأن الواقع في أمثال هذه الظاهرة متكرر متواتر يمكن القياس عليه. أما الإنباء بالمجهول فشاطئ الأمان فيه أنه لا إثبات بغير دليل يقبل التكرار والتواتر، ولا إنكار بغير دليل كذلك الدليل. وقد نرجح الإثبات بغير دليل على الإنكار بغيره. لأن المنكر المتعسف يغلق الباب على ما سيعلم في المستقبل، ولا يزيد المثبت المعتسف على الخطأ في الواقع كما رآه أو تخيل أنه رآه. . .