للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ونحاربه.

لقد عاش الشرق في سنوات الفوضى والجمود والتخاذل، فإذا بطارق غريب عليه استخف العرب بأمره في بادئ ذي بدء، وإذا هو أشد وطأة من حملة نابليون وجنوده، وأخطر من بريطانيا وجبروتها، وأعمق من إيطاليا وجحافلها السوداء، وأقوى من فرنسا وقوادها. لقد تشجع هذا الطارق فإذا به يدق الأبواب بشدة لم تعهدها آذان أهل الشرق منذ الإسكندر وقيصر، ظناً منه أنه يرعب الشعوب التي وقفت تحارب أوربا، وقضت على ملك الإغريق وبيزنطة ورومية، وساقت الأسرى من الحروب الصليبية لتزين بهم قصور الهند وآسيا، فإذا بالنائم يستيقظ وإذا بنا نبعث بعثاً من جديد، وإذا بالطارق يدفعنا دفعاً ليحرك الجموع ويرتب الصفوف ويخلع علينا حلة جديدة من الكفاح، فمرحباً به! أن النفوس التي وقفت تقارع الاستعار الأوربي بأساليبه المختلفة تتقدم اليوم لتقارع الصهيونية بأساليب وأسلحة لم يكن يحلم بها واضعوا قرار التقسيم فأهلاً به.

لقد كنا نقنع بأن الأعمال التي في هذا الركن من العالم في غضون هذه السنوات كافية، وكنا نقارن أنفسنا بما كان عليه أسلافنا. فنقول ها قد أصبحنا أكثر انطلاقاً منهم في أشياء، وها قد حققنا لبلادنا ما يشبه بعض ما تتمتع به المجموعات الراقية من مظاهر السيادة والقوة والسلطان، فأصبح لنا دستور وجيش ونظام مالي. أما اليوم فلم نعد نقنع بالأقوال ولا بهذه المظاهر: إننا نصارح الدنيا والتاريخ ونقول:

إذا كانت حملة نابليون بداية سيطرة أوربا علينا بنفوذها المادي، فأن مجيء الصهيونية بداية الوثبة الكبرى، بداية التطور المادي والعقلي معاً استعداداً لكسب معركة الشرق في أرض فلسطين والتحرر النهائي من سيطرة أوربا علينا.

إننا ذقنا طعم الانتصارات الحربية ولمع فيها أسم صلاح الدين وبيبرس، وقدمنا الضحايا بالملايين في مدى قرنين من الزمن، وبرهنت المعارك أن الدماء التي تجري في عروق أبطالنا وشهدائنا أقوى وأشد من دماء فرسان أوربا، ونحن على استعداد لخوض معارك جديدة، وتقديم الضحايا بالسخاء الذي عرفته الحروب الماضية، ولكننا نرحب مرة أخرى بالصهيونية، ونقول لها مرحى! لماذا؟ لأن حكم الغرب وجبروته وسنوات الاستعمار لم تدفعنا إلى الأمام إلا في الطريق المادي. أما الحرب القائمة الآن مع الصهيونية والمنظمات

<<  <  ج:
ص:  >  >>