فعلوه به وبأهله وولده، ففصلوا رأسه عن جسده وحملوه إلى عبيد الله بن زياد الدعا، فكأنما أراه الساعة والرأس الشريف بين يديه المخصبتين بالدم لا يكاد يكتم فرحته بموته؛ كأن قد ضمن به الخلود في الحياة حيث ضمن به الخلود في أمارته!
ثم حمل الرأس إلى دمشق ليطيب يزيد بن معاوية بالنظر إليه ويطمئن مالاً باستقرار الأمر له.
هل رأى قط واحد من أهل الكوفة أو من أهل هذه القلعة رأس الحسين في الطست بين يدي عبيد الله ثم غابت هذه الصورة عن خياله؟. . . قال الشيخ:
ومضت يا بني من ذلك اليوم سنوات، ومضى يزيد إلى ربه بما حمل من أوزار الناس وأوزار نفسه، وتعاقب على عرش بني أمية في الشام أمير بعد أمير، وظن عبيد الله أبن مرجانة أن العيش قد طاب له، وأحسبه قد نسى يوماً له بقلعة الكوفة وبين يديه رأس الحسين الشهيد، ولكن الأقدار لا تغفل عن أهل البغي؛ ولم ينس المؤمنون من شيعة بني هاشم جناية بني أمية وبني سمية على عترة النبي المصطفى من خير خلقه؛ فمضت الدعوة إلى الثأر لهم تتنقل من فم إلى فم وتتقاذفها الفلوات والأبصار حتى نهض لها المختار من أبي عبيد يهتف في شيعة الحق: يالثارات الحسين!
واجتمعت له الجموع وتكتبت الكتائب ودانت لدعوته البلدان؛ وخرج ابن زياد ليلقاه، أو ليلقى حينه؛ فألتقي بجيش المختار في أرض الموصل على شاطئ نهر خازر؛ ونالته ضربة سيف باتر فقد نه نصفين، فيداه في المشرق ورأيه في المغرب، وكما حمل رأس الحسين من حيث قتل على الفرات إلى قلعة الكوفة - حمل رأس عبيد الله من حيث هلك على شاطئ نهر خازر إلى قلعة الكوفة كذلك. .
وفي هذه القلعة يا بني، شهدت للمرة الثانية في طست بين يدي أمير القلعة؛ وكأني يومئذ بالمختار بن أبي عبيد إلى رأس ابن مرجانة بين يدي وهو في مجلسه ذاك من تلك القلعة وعلى شفتيه مثل تلك الابتسامة!. .
ولعل كثيرون غيري قد رأوا ما رأيت يومئذ وفي ذلك اليوم الآخر، فانطبعت في أنفسهم صورة الحسين ومنظر الأميرين؛ فمنهم من نسى صورة بصورة ومنظراً بمنظر؛ ولكنني لم أنس! قال الشيخ: