أعمل في اللحم للعشاء ولا ... أنال منه العشا فما ذنبي
خلا فؤادي وفي فمي وسخ ... كأنني في جزارتي كلبي!
وكما يقول:
أصبحتُ لحاماً وفي البيت لا ... أعرفُ ما رائحة اللحم
واعتضت من فقري ومن فاقتي ... عن التذاذ الطعم بالشحم
جهلته فقراً فكنت الذي ... أضلهُ اللهُ على علم!
لم يكن أمامه إلا أن يرتاد سوق المدائح، فانتجع القصور، وأنشد ساكنيها، ولم يغفل - مع مدحهم - وصف حاله وما يعانيه من الحرمان، قال في آخر قصيدة مدح بها الملك الناصر، وأنشده إياها في يوم النحر:
كيف يبقى الجزار في يوم عيد الن - حر دهر الإفلاس والعيد عيده
يتمنى لحم الأضاحي وعند النا - س منه طريهُ وقديده
ولقد آن من لقائك أَن تبـ - يض أيامه ويخضر عوده
وأتصل أيضاً بالملك الكامل والملك العادل ومدحهما كما مدح غيرهما من الحكام والأعيان. وأكثر من التنقل بين أقاليم القطر من الإسكندرية إلى أقصى الصعيد، يقصد الممدوحين، ويصف النيل وأسفاره فيه وما يلاقي بها من العناء، ويقدم ذلك في مطالع القصائد بين أيدي المدائح، قال من قصيدة في مدح ناظر الإسكندرية يصف رحلته في النيل:
لا تسلني عما لقيت من البيـ - ن فحال الغريب حال ذميم
كنت في ككة تطير بقلع ... وهي طوراً على المنايا تحوم
أنظر الموج حولها فإخال الـ - جيم تاءً لخيفتي وهي جيم
لم أجد لي فيها صديقاً حميماً ... غير أني بالماء فيها حميم
شنقوا قلعها مراراً على الريـ - ح ولا شكَّ أنه مظلوم
وإذا ما دنت إلى البر أمسى ... عندنا منهُ مقعدٌ ومقيم
يسجدُ الجرف كلما ركع المو - ج فدأبي هنالك التسليم
وقبيحٌ علىَّ أن أشتكي براً ... وبحراً وأنت برٌّ رحيم
ويقول فيه صاحب كتاب (المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي) إنه كان (بديع النظم،