سقى الله أكناف الكنافة بالقطر ... وجاد عليها سكر دائم الدر
وتباً لأوقات المخلل إنها ... تمر بلا نفع وتحسب من عمري
ولي زوجة إن تشهي قاهرية ... أقول لها ما القاهرية في مصر
وقد بلغ غاية الظرف في قوله يهجو زوج أبيه:
تزوج الشيخ أبي شيخة ... ليس لها عقل ولا ذهن
لو بررت صورتها في الدجى ... ما جسرت تبصرها الجن
كأنها في فرشها رمة ... وشعرها من حولها قطن
وقائل قال فما سنها ... فقلت ما في فمها سن
ومن نوادره ذات الموضوع أنه كان مع جماعة من أصحابه، فرغبوا إليه أن يشتري لهم لحماً من أحد الجزارين رجاء أن يكرمه بحق الزمالة، فذهب وعاد إليهم بلحم رديء، فلما سألوه في ذلك قال لهم: أن الجزار حلف على أن أقطع اللحم بيدي كما أريد مبالغة في إكرامي، فلما أمسكت بالسكين ووقفت بإزاء اللحم (أدركني لؤم الجزار!).
وقد كان التصنيع طابع الشعر وهم الشعراء في ذلك العصر، ولم يكن للجزار فكاك منه، ولكنه كان مستظرفاً في صناعته لم يسف فيها ولم يبرد كما أسف وبرد غيره وخصوصاً من اتى بعده في العصور التالية. وكان مع ذلك ينطلق محلقاً مستجيباً لشاعريته عندما كان يصور حياته الخاصة ويتحدث عن حرفته وملايساتها ويلذع من يعرض به من أجلها، ويداعب إخوانه، ويرسل فكاهاته؛ فقد كان يبلغ في هذه الموضوعات ما يريد، وما يقتضيه فن الشعر، من تصوير ما يحيط به والتعبير عن ذات نفسه المطبوعة على المرح المحبة للهو، ولعله كان يبدد بفكاهته ما يتكاثف في سمائه من سحب الهموم والأكدار في بعض الأحيان.