للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكتب الحمامي إلى الجزار:

ومذ لزمتُ الحمام صرت به ... خلا يداري من لا يداريه

أعرف حر الأشيا وباردها ... وآخذ الماء من مجاريه

فأجابه الجزار بقوله:

حُسن التأني يعينُ على ... رزق الفتى والحظوظ تختلف

والعبد مذ صار في جزارته ... يعرف من أين تؤكل الكتف

وقد كان الجزار مطبوعاً على المرح، وشعره يزخر بالملح والفكاهات وخاصة في (قافية الجزارة) كما يعبر (أولاد البلد) في مصر، وهو في ذلك وفي طريقة دعابته بالسخرية من سوء أحواله في ملبسه ومطعمه ومسكنه وبعض أفراد أسرته وفي مجونه واستعمال التورية في كل ذلك يمثل الروح المصرية التي لا نزال نلقاها في القاهرة لدى (أولاد البلد) وأصحاب الحرف، قال يصف نصفية له:

لي نصفية تعد من العمـ - ر سنيناً غسلتها ألف عسلة

ظلمتها الأيام حكما فأضحت ... في العذاب الأليم من غير زلة

كل يوم يحوطها العصر والدق ... مراراً وما تقر بعملة

وفي البيت الأخير إشارة إلى ما كان في عصره من ضرب الناس وتعذيبهم (في جباية الضرائب) ليقروا بما عندهم من (العملة) فهو يقول أن نصفيته تعصر وتدق على الحجر عند غسلها وهي مع ذلك لا تقر بأن لديها نقوداً. . .!

وقال يصف داره:

ودار خراب بها قد نزلت ... ولكن نزلت إلى السابعة

طريق من الطرق مسلوكة ... محجتها للورى شاسعة

فلا فرق ما بين أنى أكون ... بها أو أكون على القارعة

تساورها هفوات النسيم ... فتصغي بلا أذن سامعة

وأخشى بها أن أقيم الصلاة ... فتسجد حيطانها الراكعة

إذا ما قرأت إذا زلزلت ... خشيت بأن تقرأ الواقعة

وفي الأبيات التالية صورة للفكاهة المصرية الأصيلة:

<<  <  ج:
ص:  >  >>