وبها أضحت الكلاب ترجيـ - ني وبالشعر كنت أرجو الكلابا
وراح يفاخر بحرفته، ويمزج المفاخرة بالظرف والفطاهة فيقول:
ألا قل للذي يسأ - ل عن قومي وعن أهلي
لقد تسألُ عن قوم ... كرام الفرع والأصل
ترجيهم بنو كلب ... وتخشاهم بنو عجل
ويقول:
إني لمن معشر سفك الدماء لهم ... دأب وسل عنهم إن رمت تصديقي
تضيء بالدم إشراقاً عراصهم ... فكل أيامهم أيامُ تشريق
واستخدم الشاعر الجزار صناعته في معانيه وتورياته، فرق وظرف، ومن ذلك غير ما تقدم ما قاله في الدم:
لا تلمني إذا سطوت عليه ... فهو تيس يهينهُ جزاره
وما قاله في التطاول على المتنبي:
تعاظم قدري على ابن الحسين ... فذهني كالعارض الصَّيَّب
وكممرة قد تحكمتُ فيه ... لأن الخروف أبو الطيب
وقد نهج هذا النهج في استخدام الحرفة في الشعر شاعران آخران كانا معاصرين للجزار وصديقين له، هما السراج الوراق والنصير الحمامي، وقد برع الثلاثة في التورية بحرفهم، وبلغ (فن التورية) على أيديهم غاية الإجادة التي انحسر عنها في الأزمان التالية، قال الحموي في (خزانة الأدب): (ولم يزل ابن سينا الملك يتلاعب في التورية باختراعاته ويسكنها في عامر أبياته، إلى أن ظهر بعده السراج فجلا غياهبها بنور مشكاته، وتعاصر هو وابو الحسين الجزار والنصير الحمامي وتطارحوا كثيراً وساعدتهم صنائعهم وألقابهم في نظم التورية حتى انه قيل للسراج الوراق لولا لقبك وصناعتك لذهب نصف شعرك).
ولئن جازت الاستهانة بالتورية باعتبارها إيغالاً في التصنيع لقد كان لها شأن آخر في شعر هؤلاء، فقد أكسبتها حرفهم طلاوة وروتها بماء الظرف، قال الوراق:
يا خجلتي وصحائفي سود غدت ... وصحائف الأبرار في إشراق
وموبخ لي في القيامة قال لي ... أكذا تكون صحائف الوراق