للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شعوبا تدين لهم بالطاعة، ولا ترضى أن تدين لأحد سواهم، لأنهم أنما يعبرون عن سر عزائمها ونياتها، أي عن الجهاد في سبيل بلادهم بلا هوادة، وإلى أن ينالوا حقهم كاملا ثم تخونه مكايد الاستعمار وخدعه، وقد أتعظ هؤلاء الأبطال الصناديد بما لقي بعض أخوانهم من أمم الشرق حين زلقت أقدامهم فزلوا في المهاوي المظلمة المتشعبة التي تسل القوى من نفس سالكها، إلا وهي هوة المفاوضات والمعاهدات والمحادثات، التي ابتدعتها شياطين الاستعمار الذين يعرفون باسم ساسة بريطانيا، ففرقوا بين الأخوين وباعدوا بين العشيرتين ومدوا المطامع الخائنة الأعين، فهب فريق من هنا يقاتل من أهله هناك ووقف بريطانيا بينهما تنظر وتضحك وتسخر، وتحرك هذه الدمى إلى أن تنقطع الحبال فتهوى في الهوة السحيقة الملعونة هوة المفاوضات والمعاهدات والمحادثات. لقد عرفوا ذلك فأبوا أن يكونوا طعاما لمستعمر جبار يريد أن يتلعب بهم، فاختاروا ما هو أهدى لأممهم وأبقى على وحدتها، واشد لقوتها وأنأى بها عن العداوات بين بعض الشعب وبعض لقد عرفوا أن قيادة الثوار، تفضي عليهم أن ينظروا إلى خير هؤلاء الثوار قبل أن ينظروا إلى خير أنفسهم وعرفوا أن الذي هم مقدمون عليه هو الجهاد الذي لا ينتهي حتى ينتهي هذا الاستعمار البغيض، وأن الأمم المجاهدة في سبيل حقها ينبغي أن تظل مجاهدة حتى تنال حقها وانه ينبغي أن ينشا الجيل من شباب الأمة بعد الجيل، وهو يرى أمامه مجاهدين لا يفترون ولا يضعون السلاح، فذلك أحرى أن يملأ قلب الجيل حمية وأنفة ورغبة في بلوغ الكمال في العلم والمال والسلاح، حتى يجاهدوا كما جاهد آباؤهم وإخوانهم من قبل. وعرفوا أن المهادنة في مثل هذا أنما هي مهادنة تورث الشعب ضعفا، وتمكن للدساسين الخبثاء أن يتخافتوا بينهم في الدعوة إلى ما يفت القوى ويضعضع العزائم، فلا يلبث أن ينفض عن المجاهدين من تخاذل واثر الراحة على لأواء الجهاد. وعرفوا أيضاً أن الشعب الثائر غير الشعب الذي يتبحبح في مسارح السلم، فأولهما ينبغي أن يظل ثائرا لا يعرف اللين أو التسليم أو الأخذ بيد والإعطاء بالأخرى. وفيم يلين أو يسلم أو يأخذ بيد ويعطي بأخرى؟ أفي الحرية والاستقلال والكرامة الإنسانية؟ أنبئوني أي شئ من هذه الثلاثة يتجزأ حتى يقبل اللين أو التسليم أو الأخذ بيد والإعطاء بأخرى، وهو جوهر المفاوضات والمعاهدات والمحادثات.

<<  <  ج:
ص:  >  >>