وراء كلمتها:(لا مفاوضة إلا بعد الاستقلال) ونحن نعلم أن جلالة محمد الخامس ملك مراكش يعلم أن الشعب مجمع على أن لا مفاوضة إلا بعد الاستقلال، وانه هو نفسه الذي يتولى قيادة الدعوة إلى أن لا مفاوضة إلا بعد الاستقلال.
وقد استطاع نائب حزب الشورى هذا، أعني الأستاذ العلمي، أن يوجه نظر الصحافة المصرية إلى هذه البدعة التي مضت عليها شهور منذ قام محمد بن الحسن الزواني داعيا إلى الاتفاق مع فرنسا، أو على الأصح مظهرا رغبته في الاتفاق مع فرنسا بعد ابتعاده عن حزبه الذي نشا فيه، وهو حزب الاستقلال الذي يرأسه محمد علال الفاسي. وقد نجح الأستاذ العلمي مرتين، ولكن هذه الأخيرة هي أشدهما خطرا ولو علمت الصحافة المصرية أن شان حزب الشورى الذي ذكرناه، لا يكاد يكون شيئا في بلاد مراكش لطوت هذه الصحيفة مرة واحدة، ولرجعت في حديثها عن شان مراكش إلى رؤساء حزب الاستقلال وحزب الإصلاح وسائر الأحزاب المغربية في تونس والجزائر، ولو فعلت لعلمت أن هذه (المحاولة الجديدة) ليست سوى محاولة رجل فرد زعيم حزب، نعم، ولكن يغير شعب.
وكان حقا على هذه الصحف المصرية أن ترجع إلى كتب المغرب العربي لتقف منه على حقيقة ما تقول. وكان حقا عليها أن تعتبر هذا الحزب بأشباهه عندنا من الأحزاب التي لا شعب لها إلا رئيسها، وكان حقا على هذه الصحف أن تعرف أن سائر رؤساء أحزاب المغرب مقيمون في مصر منفيون عن بلادهم فكان لزاما أن ترجع إليهم قبل أن تنشر أشياء رئيس حزب الشورى المفاوض الجديد، فهو مقيم تحت ظل السلطان الفرنسي هناك في مراكش وهؤلاء سائر رؤساء الأحزاب المغربية مشردون منفيون مهاجرون إلى مصر، لكي يخدموا بلادهم هذين أولى بأن يكون هو المطالب بحق بلاده؟ وأيهما أولى بان يؤذن له ويستمع؟ وأيهما أصدق تعبيرا عن رغبة الشعب الذي ظل إحدى وعشرين سنة يقاتل في كل بقعة من بقاع المغرب وحيدا مجهولا حتى تفانى شيوخه وهلك كهوله وذبح فتيانه، وورثوا أبناءهم أحقاداً لا تموت على فرنسا وعلى الطغاة من أشباهها.
وهؤلاء الزعماء الذين ذكرناهم أنفاً هم بقية السيف، وهم المشردون المعذبون وهم العاملون الصادقون الذين أثروا الجهاد على أموالهم وأنفسهم وأهليهم وذراريهم، وخرجوا يطوفون في الدنيا ليؤلبوا العالم كله على بغي فرنسا وطغيانها وعدوانها وظلمها، وقد تركوا وراءهم