وأن يعلم كل أن الطريق من (فوق)، فيرفع رأسه ليرى الطريق. ومن منا يرفع اليوم رأسه، ونحن كالنحلة لا تمشي إلا على الأرض؟ بل أن منا م هو كالفراشة، تسمى إلى النار، يحسبها هي باب الانطلاق!
أن المسيحيين يصلون لربهم قبل الطعام على المائدة، وقبل الدرس في المدرسة، ويوم الأحد في الكنيسة، فتعلم أنهم مسيحيون، فما يصنع كثير من المسلمين، وأي علامة تدل على أنهم مسلمون، من ساعة يصبحون إلى ساعة يمسون! لا صلاة، ولا ذكر، ولا تميز الحلال من حرام، أن عملوا فضيلة فباسم الأخلاق والفضيلة ولاصحة، لا باسم الإسلام. فما الفرق بينهم وبين غيرهم؟
يقولون أن الدين المعاملة والصدق والقصد والاعتدال، وأن تعامل الناس كما تحب أن يعاملوك.
صحيح، ولكن هذا من الدين، وليس هو الدين!
وهذا شان كل شريف، يستوي فيه الشرفاء جميعا، فما معنى تفريقهم إلى مؤمنين وملحدين وعباد وثن؟
وهذا كله للحياة الدنيا، فما الذين نعمله للحياة الأخرى؟ لا، بل الذين، أن تتصل بالعالم العلوي، وأن تراقب الله، وان تعلم أنه مطلع عليك أبدا، وانه يرعاك بعينه فترعاه بقلبك وتطيعه بجوارحك.
هذه غاية الخلق، وهذا سر الوجود، ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، لا عبادة عادة، وصلاة رياضة، وصوم استشفاء، وحج سياحة؛ بل العبادة التي يحس بها القلب حلاوة الأيمان، ويذوق فيها لذة العبودية، ويستشعر فيها القيام بين يدي الله. ولتغامر مع ذلك في ميدان الحياة، ولتقحم لجها، ولتأخذ أوفر قسط من طيباتها، ومن علومها ومن فنونها، ولتكن قويا ولتكن غنياً.
هذي حقيقة الدين، وهذي غاية الحياة، فهل يصل إلى الغاية من مشى أربعين سنة مائلا عنها، ضالا طريقها؟