وها هم أولاء (الملايرة) المؤلفون، هل أشبعت ملايينهم نفوسهم ورزقتهم القناعة والاطمئنان؟
فما هذا طريق السعادة، أن الطريق على الأرض مسدود، والفضاء من حولك له حدود وما طريق الفضاء وسبيل الانطلاق إلا من (فوق)، هناك عالم النفس تنشط النفس كما برقت لها منه بارقة، أو لاح علم: كلما سمعت نغمة سحرية فيها رنة من ذلك العالم، أو قرأت قصة عبقرية فيها إشارة إلى ذلك المجهول، أو وعت موعظة علوية فيها قطرة من ذلك الينبوع.
الآن عرفت فيا ضيقة هذه السنين الأربعين!
لا تقولوا، أنك تكتب في الدين وفي الفضيلة، وإنك تدعو إلى الخير لأني عزمت على أن أقول الليلة الحق، ولو كان على نفسي. الحق يا سيادة، أن الدعاة اليوم إلى الله، لا أستثني واحدا ممن أعرف منهم، كلهم ممثلون، يلبسون في المجلة أو على المنبر ثياب المسرح، فيبدون بالجبة والعمامة فإذا انقضي (الفصل) خلعوها وعادوا إلى بيوتهم، فعكف عابد الدينار منهم على معبودة، ماله إلا جمع المال هم وعابد الشهوة عليها، وعابد الجاه، وعابد المنصب تعددت الأصنام والشرك واحد! أنهم ممثلون وأنا أول الممثلين.
ولو كنت صادقا لما الفت في سيرة أبي بكر وعمر، ثم عدلت عن سنتهما، وسرت غير سيرتهما، ولو كنت صادقا إذ أدعو إلى الإسلام، ونهيه، ولو كنت صادقا لما انغمست في حماة هذه الحياة التي سال علينا سيلها من الغرب، ولو كنت، كان عشرة مثلي صادقين، لما بقى في الأرض فساد. ولقد طهر الأرض من أوضارها منبر واحد من الخشب، ثلاث درجات ليس لها وازين، ولا عليها قبة، ولا لها باب، فلم تظهر الأرض مائة ألف منبر مزخرفة منقوشة محلاة لها أبواب جميلة وقباب؟
ألان الناس فسدت طبائعها؟ لأن الزمان قد دنا أخره؟ لا. بل لان القائمين عليها وعاظ من خشب يحملون سيوفا من خشب!
أما أن الحق، الذي لا بد الليلة من الصدع به. . . أنه. . . لا هذه المواعظ، ولا هذه المقالات، هي التي توصل إلى الله، ولكن يوصل أليه، أن يعود كل إلى نفسه، فيسأل من أين جاءت، وفيم خلقت، وإلى أين المصير؟