عن نور الحق، ويتربعون على كراسي الدين طلبا للرئاسة وذبا عنها ثم يبين الكندي الصلة بين الحكمة والشريعة بل يذهب إلى أن الدين من الفلسفة، فهي قنية علم الأشياء بحقائقها وفي ذلك علم الربوبية والوحدانية والفضيلة فالفلسفة توافق الدين لان الرسل الصادقة أتت بالإقرار بربوبية الله وحده.
ثم يحتج الكندي لرجال الدين بحجة عقلية تضيق عليهم الخناق فيقول: أن اقتناء الفلسفة (يجب أو لا يجب، فان قالوا يجب وجب عليهم طلبها؛ وان قالوا أنها لا تجب، وجب عليهم أن يحصروا علة ذلك، وأن يعطوا على ذلك برهانا وإعطاء العلة والبرهان من قنبة علم الأشياء بحقائقها. فواجب أذن طلب هذه القنية بألسنتهم والتمسك بها اضطرار عليهم).
غير أن النصر في هذه المعركة كان لرجال الدين إذ شوهوا أثار فيلسوف العرب، وصرفوا عن قراءتها أغلب الناس. ويبدو كذلك أنهم أوغروا عليه صدر زعيم من أئمة الأدب في ذلك العصر هو الجاحظ الذي تناوله بالنقد والتجريح والسخرية اللاذعة في أكثر من كتاب، في الحيوان والبيان والتبين والبخلاء
ومن التهم التي رمى بها الكندي فساد الذوق الأدبي، وضعف الأسلوب والبعد عن البلاغة وهي تهمة لصقت به، لا نستطيع أن تحقق فيها إلا إذا تناولنا أسلوبه بناء على ما ظهر له من نصوص.