للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وبين عصر المأمون بعيدا، والمأمون كما نعرف هو الذي شجع حركة النقل وأنشأ في بغداد دار الحكمة، وبعث في طلب كتب الطب والفلسفة وأجرى الأرزاق على المترجمين، وكان أغلبهم من السريان. والراجح أن الكندي هو أول فيلسوف عربي، وأول ناقل عربي، ولهذا قالوا عنه (فيلسوف العرب).

وكانت السنة رجال الدين حادة عنيفة ترمى المشتغلين بالفلسفة بالكفر، على الرغم من دفاع الخلفاء عنهم في صدر حركة النقل. وهذا هو السبب الذي دعا الكندي إلى الحذر في نقل جميع أراء أرسطو، وفي ذلك يقول: (توقيا سوء تأويل كثير من المتسمين بالنظر في دهرنا من أهل الغربة عن الحق، وإن تتوجوا بتيجان الحق من غير استحقاق؛ لضيق فطنتهم عن أساليب الحق، وقلة معرفتهم بما يستحق ذوو الجلالة في الرأي والاجتهاد في لانتفاع العامة الشاملة، ولدرنة الحسد المتمكن من أنفسهم البهيمية، والحاجب بسدف سجونه أبصار فكرهم عن نور الحق ووضعهم ذوي الفضائل الإنسانية - التي قصروا عن نيلها، وكانوا منها في الأطراف الشاسعة - لوضع الأعداء، ذبا عن كراسيهم المزورة التي نصبوها من غير أستحقاق، بل للترؤس والتجارة بالذين وهم عدماء الدين، لان من تجر بشيء باعه، ومن باع شيئا لم يكن له، فمن تجر بالدين لم يكن له دين.

ويحق أن يتعرى من الدين من عاند تقنية علم الأشياء بحقائقها وسماها كفرا؛ لان في علم الأشياء بحقائقها علم الربوبية وعلم الوحدانية وعلم الفضيلة.

وجملة كل علم نافع والسبيل أليه، والبعد عن كل ضار والاحتراس منه، واقتناء هذه جميعا هو الذي أتت به الرسل الصادقة عن الله جل ثناؤه، فإن الرسل الصادقة، صلوات الله عليها، أنما أتت بالإقرار بربوبية الله وحدة وبلزوم الفضائل المرتضاة عنده، وترك الرذائل المضادة للفضائل في ذواتها وإيثارها) فأنت ترى أن الخصومة كانت عنيفة بين الطرفين؛ فرجال الدين يرمون الكندي بالكفر والإلحاد، ويذهبون إلى أنه يجعل يونان أخا قحطان والكندي يرمي رجال الدين بأنهم يتجرون بالدين وهم عدماء الدين، ويطلب منهم الحجة أن كان عندهم برهان أو دليل.

يقول عنهم أنهم يتسمون بالنظر وهم أهل غربة عن الحق، وانهم يتتوجون الحق بغير استحقاق، يحجب الحسد أبصارهم عن نور الحق، بغير استحقاق، يحجب الحسد أبصارهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>