الحوائج والأخذ على أيدي الظلمة وقتل الشرط ومن لحق بهم من أهل الشر، والأخ عندهم رجل يجتمع أهل صناعة وغيرهم من الشبان الأعراب والمتجردين ويقدمونه على أنفسهم وتلك هي الفتوة أيضا، ويبني زاوية ويجعل فيها الفرش والسرج وما يحتاج إليه من الآلات ويخدم أصحابه بالنهار في طلب معايشهم ويأتون إليه بعد العصر بما يجتمع لهم فيشترون به الفواكه والطعام إلى غير ذلك مما ينفق في الزاوية، فان ورد في ذلك اليوم مسافر على البلد أنزلوه عندهم وكان ذلك ضيافة لديهم ولا يزال عندهم حتى ينصرف وان لم يرد وارد اجتمعوا على طعامهم فأكلوا وغنوا ورقصوا أجتمع لهم، ويسمون بالفتيان ويسمى مقدمهم كما ذكرنا الأخ، ولم أر في الدنيا أجمل أفعالا منهم، ويشبههم في أفعالهم أهل شيراز وأصفهان إلا أن هؤلاء أحب في الوارد والصادر، وأعظمهم إكراما له وشفق عليه. . .) ومن ثم نرى أن الفتوة الإسلامية قد تطورت إلى نظام اجتماعي إنساني أشبه ما يكون بنظام الماسونية من جهة وبنظام التعاون الاجتماعي من جهة أخرى، كما نرى أن الفتوة الإسلامية قد تغلغلت في البلاد الإسلامية وانتشرت بين الطبقات ولو كان هناك القائد المنظم الذي يعمل لاستغلال تلك الجماعات على وضع محدد الهدف والغاية لأجدت كثيرا من الخير على العالم الإسلامي، ولكنها انتهت في أخر الأمر إلى ما يشبه نام الزوايا الذي وضعه الصوفية، ويظهر أنها تلاشت في هذا النظام على مر السنين.
على أننا نرى في العصور المتأخرة نظاما شاع بين الطبقات، وهو الذي عرف في البلاد العربية (بمشيخة فتوة) وهو نظام كان يقوم على قوة الساعد والعضل ومزاولة بعض الأعمال الرياضية والفروسية.
وبعد، فهذه صفحة من تاريخ الفتوة الإسلامية، عرضناها على القراء مجلة لان المقام لا يحتمل الشرح والتفصيل ولعلنا نعود في فرصة أخرى إلى تجلية بعض النواحي في هذا الموضوع الذي عنى به المستشرقون أكثر مما عنى به أبناء العروبة.