الفتيان نقلا وسمعا وقد ألزمت نفسي أجراء الأمر على ما تضمنه هذا المرسوم الأشرف، فمتى جرى ما ينافي المأمور به المحدود فيه كان الدرك لازما لي والمؤاخذة مستحقة على ما يراه صاحب الحرب ثبت الله دولته وأعلى كلمته. .).
لم تكشف لنا النصوص الواردة عن حقيقة القصد الذي كان يهدف إليه الناصر من إنشاء هذا النظام للفتوة، أو على الأصح من إنشاء هذه الجمعية التي كانت في نظامها أشبه ما تكون بالجمعيات السياسية والحربية، ولهذا يرجح الباحثون أن الناصر كان يقصد بذلك إلى أحياء الروح الحربية في النفوس، وإقامة قوة يمكن أن يفق بها في وجه أولئك الأعاجم الذين أخذوا يتخطفون الإمبراطورية العربية من كل جانب، ويعملون على إزالة معالم الخلافة الإسلامية غير أنا نرى جميع المؤرخين القدماء الذين كتبوا في سيرة الناصر وأعماله قد عابوا بالانصراف إلى هذا الأمر، حتى يقول أبو الفداء أنه (كان قبيح السيرة منصرف الهمة إلى رمي البندق والطيور في المناسيب ولبس سراويلات الفتوة) وانهم ليذكرون عنه في ذلك حكايات تصوره مثلا أعلى في اللهو وسقوط الهمة والانصراف عن مهمات الأمور. والمؤرخون القدماء لا شك معذورون في هذا التقدير لأنهم تعودوا أن يروا الخليفة مثالا للأرستقراطية المتعالية، فهو شخص لا عمل له إلا أن يجلس في صدر الديوان يأمر وينهي، ويمنع ويمنح، فكان من الغريب في تقديرهم أن ينصرف الناصر إلى هذا التدبير، وأن يبذل له كل هذه العناية وان يعني بتعميم ذلك النظام الحربي الرياضي بين الطبقات!!
على أي حال نستطيع أن نقول أن الناصر قد ضع نظاما للفتوة الإسلامية كان في الإمكان أن يجد شباب الدولة العربية وأن ينهض بها من عوامل الانحلال التي تسربت إلى جسمها، ولكن يظهر أن أحداث الزمن في تلك الأيام كانت أعنف واغلب. على أن هذا النظام قد امتدت أصوله في البيئات الإسلامية، وعمت أثاره آماداً من السنين فأننا نجد الرحالة أبن بطوطة بعد عهد الناصر بقرنين أي في القرن الثامن الهجري يتحدث عن جمعيات الفتوة وانتشارها في بلاد الأناضول، ويثني عليها ثناء مستطابا، وكانوا يسمون بالأخية الفتيان قال ابن بطوطة (وهم بجميع البلاد التركمانية والرومية، في كل بلد ومدينة وقرية، ولا يوجد في الدنيا مثلهم أشد احتفالا بالغرباء من الناس وأسرع إلى إطعام الطعام وقضاء