من رجال المحاكم معا ويحولوا دون مضي الفقيه المصري فيما أختطه لنفسه من سبيل.
بيد أنه لم يحل عام ١٩٣٧ حتى شهد إمضاء اتفاق مونترو الذي قرر إلغاء الامتيازات وجعل العربية ألغه الرسمية القضائية المكفولة المقام، ونطق الأحكام في الجلسات مشافهة بلغة يعرب وبلغة الفرنسيس. فكانت هذه ثاني معركة صارعت فيها اللغة العربية على يد فقيه مقدام فكان التوفيق حليفها.
وقبل خمسة أعوام. أي في شهر أغسطس من عام ١٩٤ كان على راس وزارة الشئون الاجتماعية شاب كفء ذو جرأة فهالة ما رأى وما سمع عن امتهان لغة البلاد في الشركات ودور الصناعة الأجنبية في أديم مصر، وصمم على رد الاعتبار للغة العرب وصون حقوقها ومقامها.
فاستصدر معاليه - وكان الأستاذ عبد الحميد عبد الحق - مشروع قانون لتعميم اللغة العربية في دور الشركات الأجنبية وجعلها اللغة الأصلية وما عداها دخيل لا يعول عليه. فكانت هذه الخطوة مثار تعليق متباين من الدوائر الأعجمية، ولكنها أجمعت جميعها على استنكارها.
غير أن الوزير الشاب مضى متجلدا صوب هدفه حتى أقر مجلسا البرلمان القانون واصبح واجب الاحترام مكفول النفاذ وتحدث صاحب المشروع عنه قائلا (إنني أرى أن لا فضل لي في هذا القانون لا من حيث الفكرة ولا من حيث صدوره. . . أما فيما يتعلق بالفكرة فهي فكرة كل مصري. وأما فيما يختص بصدوره فالفضل في ذلك إلى التمسك بحقوق البلاد).
وبسن هذا القانون أضحت لغة العرب سيدة اللغات في مصر وأمكنها أن تصرع أترابها في الميادين الرسمية. . .
بيد أن العربية ما فتئت تتعثر في المجتمعات وفي الأندية ودور المرح وبيوت ذوي الاحتساب والأنساب. ولا يزال عليها أن تواصل كفاحها بغير هوادة لتثبت أقدامها وتعزز مرتبتها. فإذا جلست في فندق من فنادق الحاضرة المصرية، تناهت إلى أذنيك (بقايا) كلمات عربية مختلطة بلهجات أجنبية، أو سمعت لغة فرنسية تتريث بين أوان وآخر لتزج بين ثناياها بكلمة عربية أو تعبير من تعبيرات السائمة.