يختار الطريقة التي تجعل كلامه فصيحا بليغا أي مطابقا للغرض وحالا في موضعه اللائق به، وذلك هو معنى قولهم في تعريف البلاغة: أنها مطابقة الكلام لمقتضى الحال. ولكنا لاحظنا أن أولئك العلماء قد انصرفوا منذ العصور الأولى إلى البحث عن هذه الوسائل، وتتابعت العصور فإذا مباحثهم قد انتهت إلى أن سر البلاغة قد وقف عند أبواب علم المعاني والبيان والبديع على أما انتهى إليه الجرجاني وما أستحدث بعده من بعض أنواع البديع ومن بعض مباحث أخرى، وكأنهم قد ظنوا أن الكلمة الأخيرة قد قيلت في هذا الفن. وقال أنه لا يشك في أن بلاغة الكلام لا تنحصر أسرارها في تلك الأبواب، وساق شواهد دلل بها على أنهم كانوا كثيرا ما يقفون مبهوتين أمام بلاغتها وروعتها، فيحاولون أن يردوها إلى باب من أبواب البلاغة المعروفة عندهم فلا يستقيم لهم ذلك إلا على ضرب من التعسف والالتواء.
ثم تلاه الأستاذ عباس محمود العقاد، فألقى كلمته في استقبال الأستاذ المازني، قال إني لا أسميها كلمة تقديم فإن المازني مقدم متقدم بأدبه إلى كل مكان تصل إليه لغة الضاد، ولكني أستطيع أن أقول شيئا جديدا فيما يتصل بي وشيئا طريفا فيما يتصل بالمجمع، لان صلة المازني بالمجمع صلة سابقة من جهة أعماله وجهوده وان طرت عليها الطرافة من جهة انتظامه بين أعضائه. ثم تحدث الأستاذ العقاد عن صداقته للأستاذ المازني منذ نيف وثلاثين سنة، ومشاركتهما في الأدب والصحافة والتدريس، ثم عرض للجانب الذي يتصل بالمجمع من أعمال عضوه الجديد، وهو جانب التمكن من اللغة في الترجمة والتعبير، فقال: ولست أغلو - ولا أحجم عن التحدي - إذا قلت أنني لا أعرف فيما عرفت من ترجمات للنظم والنثر، أديبا واحدا يفوق المازني في الترجمة من لغة إلى لغة، ويملك هذه القدرة شعراً كما يملكها نثراً، ويجيد منها اللفظ كما يجيد المعنى والنسق والطلاوة، ومثل لذلك ببعض ما ترجمه المازني من رباعيات الخيام، وعرض العقاد لبعض المباحث التي كتب فيها المازني كالحقيقة والمجاز، والتجديد والتقليد، إلى أن قال: وقد طاب للمازني منذ سنوات أن يدأب على الاستخفاف بعمله وبجدواه، فأنكر على نفسه الشاعرية وأنكر غناء ما يكتب وينظم وقد غالطته أحيانا فقلت له أن هذه البدعة منه ضرب من المكر الحسن، كأنه أراد أن ينزل عن مكانه ليجلسه عليه الناس، ولكنه قال في حصاد الهشيم: (واعلم أنك إذا