للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أنزلت نفسك دون المنزلة التي تستحقها لم يرفعك الناس إليها، بل أغلب الظن أنهم يدفعونك عما هو دونها أيضا) فالأرجح أنني غالطته وأن حقيقة الأمر أن المازني يستخف بعلمه وبغير عمله أحيانا لأنه يستصغر حياة الإنسان في جانب آماد الخلود ومصائر الأقدار ولأنه يقيس ما عمل بما أراد أن آخرون. وقد هون الخطب على نفسه بسليقة فيه، وهي أنه استطاع أن يقسم (أنانيته) قسمين متلازمين، يسخط أحدهما فيتناوله الأخر بالعبث والتعزية، ويشمخ الشامخ منهما فيغض منه المطمئن والوادع.

ثم وقف الأستاذ المازني فقال أنني أشعر بما يشعر به الواقف على عتبة قصر لا عهد له بمثله فهو يطرقه متهيبا محاذرا ويدخله مترددا متلفتا داعيا ربه في سره أن يستره ولا يفضحه وأن يعينه على أن يبدو لأهل القصر كأنه منهم واليهم في حاجة إلى وقت حتى آلف مجمعكم الموقر.

وقال: أصارحكم باني أشعر أني مظلوم لو كمنت قلتم اخترناك على عيوبك ولنا فيك أمل لقلت قوم أحسنوا الظن وان أسرفوا في الأمل فاستوجبوا مني أن أتحامل على نفسي حتى لا أخيب ظنهم، أما أن أقوم مقام الشيخ أحمد إبراهيم بك، عليه الف رحمة، فهذا هو المحال ثم أثنى على سلفه الشيخ أحمد إبراهيم وعلى جهوده العلمية والأدبية إلى أن قال: ليس يسعني إلا أن أهز رأسي أسفا لأني وضعت في موضع سيظل خاليا وأنا فيه. .

ومما قاله الأستاذ المازني: أن مرحلة التطور الطبيعي السريع للغتنا قد انتهت من زمان طويل بعد أن صارت لها حروف تكتب بها وقواعد مضبوطة وقوالب مقررة وآداب وعلوم، بل سعد أن نزل بها القران الكريم ودون وحفظ، ومتى استقرت قواعدها لغة من اللغات ودونت وصارت لها آداب. وكتبت بها العلوم، فإن من العسير تغيير شئ من قواعد واوضاعها، وقد تختلف طريقة الكتابة والهجاء والنطق وتتسع الألفاظ للتعبير أو تضيق، غير أن طريقة تأليف الكلام على معاني النحو لا تتغير، وكل ما يمكن أن يحدث هو أن يتسع نطاق اللغة أي أن يكثر محصولها اللفظي، ويتوسع الناس في المجاز والاستعارة والاشتقاق تبعا لدرجة الحضارة في الأمة، ومن هنا تنشا الحاجة إلى المجامع اللغوية لتتبع حركة الاتساع ومسايرتها وتزويدها بحاجاتها ومطالبها.

أيهما الحارس؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>