وهو في السادسة والثلاثين من عمره نظم مقطوعة ودع بها الشباب والحياة، وهو في أزهى ريعان الشباب والحياة، فلم يتمن إلا قبر الجندي البطل. فناجى نفسه قائلاً:(إذا فقدت من الحياة أعذب شيء، فمن أجبرك على احتمال هذه الأعباء الثقيلة؟ هي هنالك ساحة الشرف، فأذهبي واختاري مضجعاً عظيماً، اذهبي وتخيري موطناً يهدأ فيه رمادك ثم استريحي) وفي اليوم الموعود طار النبأ بأن (الرجل العظيم قد مات)
وقد أفرد النقادة الفرنسي (تين) في كتابه (تاريخ الأدب الإنجليزي) صفحات مختارة، تناول فيها الشاعر (بيرون) ووصف بحذق ودراية (مرض العصر) الذي فشا بين الأدباء، فأسقط كواكبهم، وصرع عظمائهم.
يقول تين: (وهكذا عاش ومات هذا الرجل العظيم التعس، فكان فريسة سمينة لم يعلق بمثلها مرض العصر، ومن حولها يتساقط الآخرون ضحايا. . . . . البعض انطفأ غارقاً في الذهول والنشوة، والبعض قتله السرور والغناء. أما هؤلاء فقد آل أمرهم إلى الجنون والانتحار، وأولئك غلب على أمرهم العجز والداء. وكلهم عاشوا ناقمين حانقين متألمين، وأشدهم عزماً من استطاع أن يحتمل جرحه حتى صار كهلاً، وأكثرهم هناء من تألم كما يتألم الغير، يحرص على جراحه وهي بريئة. قد ملأ أنينهم العصر كله ونحن وقوف حيلهم نصغي إلى قلوبنا التي تردد هتافهم همسا، ونحن كئيبون مثلهم، تسيطر علينا الثورة، فالديمقراطية قد فتحت مطامعنا دون أن ترويها، والفلسفة أضرمت رغائبنا دون أن ترضيها. فرجل الشعب يشكو وضاعته. والشاك من شكه!
وإنما هذا الرجل - كالرجل الشاك مصاب بسويداء حلت في قلبه قبل أوانها. . . . فتراه يستسلم بعواطفه للشعراء الذين يقولون باستحالة السعادة، وفساد بناء المجتمع وسقوط الإنسان
لا رجاء في شفاء هذا الداء. لأنه داء لا تقوى على محوه عوامل السرور ولا الدين ولا أي شيء. . . وطويلاً سيشعر الناس بأن عواطفهم ترتعش لأنين شعرائهم العظماء. وطويلاً سينقمون على قدر يفتح لأهوائهم فضاء بدون حدود، ولن يقدر لهم الشفاء حتى يحطموها. . . أن ذريتنا مصابة كالسابقين بهذا المرض نفسه. . إننا ذاهبون إلى الحقيقة لا إلى السكون، كل ما نستطيع أن نعالجه في هذه اللحظة هو عقلنا. . . إذ ليس لنا ما نؤخذ به