١ - الحكيم لا يهاب الموت ولا يحفله - بل ينشده ويرحب به - فهل معنى هذا أن ينتحر؟ وهل له بدلا من أن ينتظر وقوع الموت ويستجديه من الآلهة أن يضع لحياته حدا؟ لا - أن عليه أن يضع نفسه حيث وضعته الآلهة، وألا يخلص روحه من سجن البدن إلا متى ارادت، فالآلهة وألا يخلص منه من سجن البدن إلا متى ارادت، فالآلهة أدرى بخيره منه - وهو حين يخرج على إرادتهم بفعل هذه الجريمة - كالثور أو الحمار يعصي صاحبه - فقد ارتكب اكثر من نكر واحد:
(ا) فهو أولا قد ظن في نفسه القدرة على الموت والحياة. وهو خلو منها.
(ب) وافتراض في نفسه حكة اكثر من الآلهة - ومعرفة بخيره منهم. . وعناية بنفسه اكثر من عنايتهم، حيث يكون الخير في الواقع ما أرادوه هم - ولو كان سجنا أو موتا هو الذي يفر من خيره في غير حكمة.
(ج) ثم هو يهب نفسه حرية واختيار أن يفعل ما يشاء أكثر مما له في الحقيقة.
والنتيجة أن واجب الفيلسوف أن يرغب الموت ولا يرتكبه، ولكن له أن يحاول فصل روحه عن بدنه وتعطيل حواسه عن فكره حتى يتهيأ له سبيل المعرفة الصحيح، ووسيلة التطهير والخلاص وعليه حتى حين الخلاص النهائي أن يمهد نفسه له، وأن يميتها مرة ومرات، فيعادي البدن ويتجنب كل ما يمت إليه بسبب، حتى تحصل روحه الحكمة من العالم الآخر قبل أن تصل إليه وحتى تالف الموت فلا تفرع له أو تفرع منه، وبهذا المران على تطهير الروح يصل إلى الاعتدال الذي لا تطرق معه في صفة من الصفات كما يصبح سعيه للحكمة وخلاص النفس وتطهيرها مقصودا لذاته، لا لمقايضة ومبادلة أو ترجح للذة أو خير ابعد - بمعنى أن يتطبعوا بالحكمة لا يبغونها لنفع أو غرض.
٢ - خلود الروح:
وهنا يسوق سيبيس على لسام العامة تشكيكا في مصير الروح بعد انفصالها عن الجسد،