وقولهم إنها تصبح هباء أو دخانا تذروه الرياح - فيقدم له سقراط الأدلة على بقاء الروح في العالم الأزلي - وسنسوقها بترتيب ورودها.
٢ - فأولا يقدم سقراط دليلا يبدو انه يريد به نظرية تناسخ الأرواح انتقالها من بدن إلى آخر بعد موته - وإلى هذا يرمز بقوله (المذهب القديم الذي كنت أتحدث عنه) أي الفيثاغورية؛ وعلى هذا فلا بد أن تظل الروح باقية كيما يخرج الحي من الميت. ولا تقوم صحة هذا دليل إلا إذا سلمنا بهذه النظرية الفيثاغورية، بمعنى إنه إذا قام الدليل على أن الحي لا يولد إلا من الميت، فقد صحت النظرية، وثبت بالتالي خلود الروح وتناسخها، وإذا لم يقم على ذلك دليل سقطت هذه الحجة
ب - ولكي يقدم سقراط دليلا أخر يبحث مسالة التضاد فيما بين الأشياء: الكبر والصغر. والعدل والظلم، واليقظة والنوم. . . الخ والفعل الذي به يتم الانتقال من الضد إلى الضد ذهابا وجيئة، وينتهي إلى أن الموت الذي نراه لا بد أن يكون ضده الحياة التي لا نراها موجودة - فأرواحنا لابد إذن موجودة في العالم الأدنى - والحي لابد أن يكون خروجه من الميت كذلك، وإلا لا نعدم توالد الأشياء واصبح مصيرها مصير (أنديميون) النائم أبدا - فهذا الدور أو التعاقب بين الأضداد هو الذي يؤكد لنا خلود الروح. . وهذا الدليل كما نرى وجودي فكرى اكثر منه حقيقيا فالتضاد بين الأشياء مقولة من مقولات الفكر، ومن عمل العقل والمنطق - نحن ندرك النوم باليقظة - ونميز الصحة بالمرض ولكن ليس محتوما أن يتولد المرض من الصحة ولا النوم من اليقظة. حقا أن الكون والفساد من نواميس الطبيعة - التي هي كما يقول - لا يفترض إنها تسير على ساق واحدة فحسب - وما نسلم بنظرية التناسخ السابقة - فإن هذه الحجة لا تدل وحدها على خلود الروح.
(ج) والحجة الثالثة هي نظرية التذكر، ويقصد بها أن أرواحنا قد أقامت قبل حلولها في البدن في عالم أخر نتذكر الآن الإجابة الصحيحة التي يدل بها شخص ما عن سؤال صحيح مينون - إليه - ويكون التذكر بالتلازم - كالمحبوب والقيثارة - وسيمياس وسيبيس - أو بالتشابه أو التضاد - كما في الحجة السابقة، أو بالتساوي الذي يوجد مثاله - ككل المثل - في عالم التجريد والذي نفيس عليه تساوي العصى أو الحجارة أو قطع الخشب - التي ليست في حقيقتها متساوية - بل تنزع إلى التساوي الحق دون أن تبلغه - وهذه المثل نحن