لم ندركها بالحواس بل الحواس هي التي تذكرنابها في عالم المثل. وقد ولدنا ومعنا هذه المعرفة - أي إننا قد حصلناها قبل أن نولد - وهانحن الآن نتذكرها بطريق الحواس؛ وإلا فلو إننا قد حصلناها ساعة الميلاد أو بعده - فكيف سلبت منا بعد أن أعطيت لما حتى ننساها ثم نعود فنتذكرها وإذن فأرواحنا قد كانت موجودة قبل أن نولد، وكذلك المثل المطلقة للخير والعدل والحق والتساوي. . . الخ، التي تذكرنا بها حواسنا ألان. وهذه الحجة نثبت أزلية الروح - ولا تثبت أبديتها - كما شك سيمياس، وعليه يرد سقراط بأنه من مجموع هذه الأدلة يقوم الدليل على خلود الروح.
(د) على أن أهم دليل يقدمه سقراط على خلود الروح - هو الحجة القائلة - بأنه إذا كان الجسم يفنى لأنه مركب يتحلل بالفساد - فالروح باقيه لأنها بسيطة لا تتحلل ولا يجوز عليها التغير - لأنها ثابتة خفية يدركها العقل ولا تقف عليها أي الحواس، وبذلك فهي أبدية خالدة شان كل ما هو الهي - حقا أن المادة الجسمية تغشى بكثافتها على صفاء الروح وتدنسها بمخالطتها ولكن الفلسفة كما قلنا هي وسيلة تطهير البدن من هذ١ الجسم وأماتته مرات قبل أن يموت نهائيا - فإذا سح هذا طاهرة، ورفلت في نعيم الهي مقيم. وأما إذا كانت الروح تجر وراءها دنس المادة وكدر الشهوة، لم تزل تحوم حائرة حول المقابر - جزاء إثم أصحابها الفجار في الحياة. ورما تقمصت هذه الأرواح الفاجرة الشريرة أجسام حمير أو ذئاب أو حدا يزاولوا فيها ميولهم وبائعهم ولذا كانت الفلسفة سبيلا لتحرير الفيلسوف، واعتداله، وتخلص روحه وخلودها سعيدة مع الآلهة ولذلك أيضا لم يكن سقراط اكثر اعتدالا أو هناءة أو تغريدا في أي وقت من حياته منه ساعة إعدامه - وهو يشبه نفسه بطيور التم التي تغريدها قبيل موتها.