للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عمل الدولة لأنه كما ذكر المحققان. - (قد كان عضد الدولة يذهب فيما يظهر - إلى الاعتزال) فهل يوهن ذلك من اعتزال الصاحب ويحملنا على الشك فيه؟ ليكن أن (عضد الدولة يذهب - فيما يظهر - إلى الاعتزال) أو لا يكن، فأي قيمة لاعتزال عضد الدولة في هذا الموضع لموج به فيه؟ أيطعن في إسلام ثابت لوزير أن يكون الملك الذي استوزره مسلما، وأن تكون دولته إسلامية؟ ثم ما قيمة اعتزال عضد الدولة أن كان منتهى الثقة في القول به إنه - كما ذكر المحققان - فيما يظهرلهما، لا فيما ثبت لهما ثبوتا قاطعا أو راجحا؟ ثم ما قيمته إذا لم يكن هناك دليل عليه؟ بل ما قيمته إذا لم يثبت أن عضد الدولة كان يؤثر المعتزلة دون غيرهم بامتياز يدل على ميله إليهم فضلا عن ذهابه مذهبهم؟

لقد قرأت مما كتب في تاريخ عضد الدولة - وما هو بالقليل - فلم أجد فيه ما يدل على أن عضد الدولة كان نؤثر مذهب الاعتزال أو المعتزلة بعطف خاص؟ فمن أين هذا الذي ظهر للمحققين الفاضلين حين أشاروا إلى اعتزاله؟ وكيف ظهر لهما؟

لا أزعم إني قرأت من تاريخ عضد الدولة اكثر مما قرأ المحققان، فلعل عندهما علم ما لا اعلم منه، وهما - دون شك - كثر اطلاعا وفهما مني - ولست ابغي من معرفة ما ظهر لهما من اعتزال الصاحب غير مصدره وكيفية ظهوره!

ومع هذا قد وفقت في دراستي لتاريخ الاعتزال على أن هذا المذهب كان ذائعا قويا في أيام عضد الدولة وفي دولته خاصة، إذ ظهر فيها كثير من شيوخ الاعتزال، وتولى بعضهم الأعمال لها، ومنهم من كان على صلة بعضد الدولة نفسه، وكانت الدولة تعرفهم وتعرف ميولهم واعتناقهم الاعتزال ومع ذلك لم تجد ما يدل من قريب ولا بعيد أن الدولة كانت تؤثرهم بعناية خاصة إلا في أيام الصاحبة نفسه، وهذا الإيثار كان من عمل الصاحب وحده لا من عمل الدولة، ومن المعروف أن عضد الدولة - هذا الذي يرى المحققان فيما ظهر لهما إنه يذهب إلى الاعتزال - جاءته رسالة من إلا أبا بكر محمد بن الطيب الأشعري المعروف بابن الباقلاني، أو الباقلاني، وابن الباقلانيكان - دون شك - متكلما على مذهب الأشعري شيخ أهل السنة، وكان من اشد خصوم المعتزلة آلف الكتب للرد عليهم والحط من أقدارهم. ويروى إنه أبى أن يخض لرسوم البلاط البوهي حين لقي عضد الدولة فلم يكفر له في مدينته أفلم يكن في دولة عضد الدولة من رجال المعتزلة الذين تعرفهم الدولة

<<  <  ج:
ص:  >  >>