للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وتعرف فضلهم من يحمل هذا الجواب كما حمله ابن الباقلاني السني خصم المعتزلة؟

لو أن الدولة البويهية عطفت على المعتزلة وآثرتهم بعناية خاصة لكان هذا موافقا لأصلها العام لأنها شيعية زيدية، والزيدية في كل زمان ومكان - منذ عهد زعيمهم زيد بن علي تلميذ واصل بن عطاء شيخ المنعزلة - يدينون بالاعتزال أصوله كلها أو بعضها، أو يعطفون عليه، وكانت الفتن كثيرة في عهد الدولة البويهية بين أهل السنة والشيعة، وكانت الدولة دائما تنصر الشيعة على أهل السنة، بل كان بعض هذه الفتن يثير أهل السنة تمردا على تشيع الدولة، ومع ذلك لم نقرا خبرا عن فتنة بين المعتزلة وأهل السنة نصرت الدولة فيها لا معتزلة على أهل السنة كما نصرت الشيعة عليهم

لقد ظهر إلى الصاحب في عهد ركن الدولة وعضد الدولة، ووزر لمؤيد الدولة ثم أخيه فخر الدولة، فأما ركن الدولة فلا نعلم من أمر نظره إلى الاعتزال إلا خبرا واحدا مؤداه انه أرسل مرة إلى الصاحب عينا من عيونه يشاكسه في مجلسه ويتحدى سلطانه ومذهبه الاعتزالي ويجادله في بعض تعليماته: وهو القول بخلق القران. وأما عضد الدولة فقد قدمنا مبلغ علمنا في نظرة إلى الاعتزال، وأما مؤيد الدولة فلا اعرف من أخباره ما يدل على ولاء ولا عداء للاعتزال وأما فخر الدولة فلا نعرف في نظره إلى الاعتزال غير خبر واحد ذكره الصاحب في صدد علاقته واحتشامه فقال ما استؤذن لي على فخر الدولة وهو في مجلس الأنس إلا انتقل إلى مجلس الحشمة فيأذن لي فيه، وما اذكر انه تبذل بين يدي ومازحني قط إلا مرة واحدة فانه قال لي في شجون الحديث: (بلغني إنك تقول: المذهب مذهب الاعتزال والنيل نيل الرجال) فأظهرت الكراهية لانبساطه، وقلت: (بنا من الجد ما لا نفرغ معه للهزل) ونهضت كالمغاضب، فما زال يعتذر إلى مراسلة حتى عاودت مجلسه، ولم يعد بعدها لما يجري مجرى الهزل والمرح) وليس في هذا الخبر ما يدل على أن فخر الدولة يشارك وزيره اعتزاله، ولا انه يرى للاعتزال امتيازا على غيره، وإلا لم يستدرك على الصاحب ميزه الاعتزال بعنايته من سائر المذاهب الإسلامية الكلامية.

هذا إلى أن فخر الدولة - كما يجب أن يعلم - كان يعرف خطر وزيره في دولته، وحاجته إليه في تدبيرها بل فضله عليه إذ جعله هو وأعوانه على أملاك أخيه مؤيد الدولة في أصفهان بعد موته سنة ٣٧٣ هـ (٩٨٤م) وأضاف إليها غيرها من حصون المتمردين

<<  <  ج:
ص:  >  >>