وقد دعمت هذه الحياة بتجديد الخلافة الإسلامية منذ عصر الظاهر بيبرس. فأصبحت الخلافة - على علاتها - ذات قوة أدبية لها تأثيرها الروحي في نشاط الحركة العلمية الإسلامية، وعاونت مصر على أن تكون بيئة دينية صالحة جليلة القدر، ينبت فيها ويفئ إليها علماء الدين على اختلاف مذاهبهم.
ولم يدخر السلاطين وسعا - كما نوهنا - في تبجيل العلماء وتعظيمهم أمام الخاصة والعامة، حتى اطمأنت نفوسهم، ولم يلههم عن الإنتاج العلمي شئ من جوع أو خوف، وحرصت أجيالهم الناشئة على متابعة جهودهم العلمية لتظل لهم هذه المنزلة السامية لدى السلاطين والشعب.
ونذكر منهم على سبيل المثال: عز الدين بن عبد السلام وكان يدعى بسلطان العلماء، وكان الظاهر بيبرس يهابه ويقدر رأيه. وتقي الدين بن دقيق العيد، كان السلطان لاجين يقبل يده. وعلاء الدين السيرامي فرش له السلطان برقوق السجادة بيده.
والى جانب هذا سرت في السلاطين والأمراء ومن إليهم، روح عجيبة قوية لإبقاء أثرهم وتخليد ذكراهم. واتخذوا إنشاء المساجد الجامعة في مقدمة وسائل هذا الإبقاء والتخليد، قربى إلى الله وزلفى، وليتعبد فيا الناس وليتفقهوا في دينهم؛ وقرروا فيا الدروس، وعينوا لكل درس شيخا، ورصدوا لذلك الأوقاف الطائلة، ليقضوا لهذه المدارس بقاء طويلا، واجروا على الطلبة المنقطعين فيها لطلب العلم نفقات وأطعمة وأكسية، والحقوا بكل مدرسة دار كتب قيمة حسدوا إليها الآلاف من المؤلفات الثمينة.
ولم تكن هذه الجهود مقصورة على مدينة القاهرة وحدها. بل اشتهرت إلى جانبها مدن أخرى كثيرة كالإسكندرية وأسيوط وقوص ودمياط ومنفلوط وبوتيج وأخميم وأسوان وبلببيس، هذه فضلا عن المدن الشامية والحلبية والحجازية.
وبلغ عدد مدارس القاهرة نحو خمسين فوق ما أنشأه الأيوبيون والفاطميون من قبل ولا يزال كثير منها مائلا للعيان في القاهرة حتى اليوم.
وفي مقدمة هذه المعاهد التعليمية مستشفى قلاوون. بناء عام ٦٨٢ هـ. وكان عبارة عن مدرسة للطب كبيرة. به قسم للحميات، وقسم للرمد، وقسم للجراحة، وقسم للأمراض