مصر يستظلون بطلها ويستمدون رفدها وينهلون من مواردها. حتى ضاف بهم بعضها على رحبة، وكان منهم (المنتسبون) وهم الدائمون الذين قيدت أسماؤهم لينالوا شيئا من الأوقاف بصفة مستمرة. أما غيرهم فأخلاط شتى من محبي العلم من الشعب.
وأهم ما يوجه إلى هذا الضرب التعليمي من النقد - إذا نظرنا إليه نظرة حديثة - أنه لم يكن سياسة للدولة مرسومة، بل كان نتيجة جهود فردية، وأنه لم يؤد إلى الشعب باعتباره حقا من حقوقه، بل باعتباره منحة له وتفضلا عليه، وأن الأساتذة عنوا بنشر العلم فحسب، ولم يتخذوه وسيلة إلى إيقاظ الشعب وتنبيهه إلى حقوقه وواجباته.
غير أنه - بلا شك - نظام قد انجب. واغلب بخبائه من رجال الدين. وبلغ بعضهم مرتبة الأئمة المجتهدين. قاموا بحركة تأليفيه مباركة، هي حلقة غريدة من حلقات العلوم والآداب كان لا بد لحياة العلم والأدب من وجودها.
أما هذه الحركة التأليفية فكانت المظهر الخالد للحركة العلمية. وشجعها السلاطيندعوا العلماء أحيانا إلى التأليف برسم الخزانات الشريفة. فمنهم المؤرخ أبو بكر بن ايبك، الف كتابه (كنز الدرر) للناصر بن قلاوون. والطبيب محمد القوصي ألف للغوري كتاب (كمال الفرحة) في الطب وعماد الدين موسى بن محمد الحروب) للسلطان جقمق.
على أن التأليف لم يكن وقفا على تشجيع السلاطين أو سواهم، بل كان غاية من غايات العلماء. لذلك نشطوا في ميدانه نشاطا هو مثار الدهشة والعجب، لبلوغه حدا من الإعجاز وتعددت مؤلفات بعضهم حتى عدت بالمئات، وفي فنون شتى. واتسعت أحيانا حتى صارت موسوعات جامعة امتدت فيها أفاق العلم. وعنوا بعلوم الدين أولا، ثم التاريخ وفنون العربية، ثم غيرها. وحظي تاريخ الأعلام والخطط بنصيب كبير من العناية. وهكذا ترى أن مؤلفاتهم لا غنية عنها للفقيه والمؤرخ واللغوي والأديب والمحدث والنحوي والبلاغي وغيرهم. وبعضها يعد فريدا في بابه منقطع النظير.
وأهم ما يوجهه الناقد إليها أن بعضها رسائل صغيرة، وأن منها ما يشوبه الجمع والنقل ويندر فيه الابتكار. وأن منها المتون وشروحها ومختصرات شروحها. غير أن هذه النقدات يسهل الرد عليها وتعليلها فيساق العصر كان يدعو إليها إسراعاً إلى تدوين المحفوظ وعجلة إلى تسجيله حذرا من أن تعبث به يد الزمان ثم هيهات أن تقلل هذه النقدات من خطر تلك