بإخضاعها كلها لمقاييس جمالية واحدة بل ينبغي أن نراعى (الخامة) التي يستعملها كل فن على حدة. ومع هذا فقد نستطيع المقارنة بينها بالمقارنة بين هذه الخامات المختلفة وحينئذ يتبين لنا بجلاء أن خامة المسرح أغناها عنصرا وأقواها قدرة على التصوير الحي. فالمسرح بعناصره الثلاثة - أي التأليف والإخراج والتمثيل وأدواتها ووسائلها الخاصة المتآلفة - يمتاز على الفنون التي تصور (الجسم) - كالنحت - بالحياة والحركة. . . ويمتاز على الفنون التي تصور (الشكل) - كالتصوير اليدوي والآلي - بأبعاده الثلاثة. . . ويمتاز على الفنون التي تصور - (الحركة) - كالرقص والبانتوميم والميم - بالإفصاح الذي لا يغنى عنه الإيماء. . . ويمتاز على الفنون التي تصور (الفعل) كالشعر والقصة - بالتجسيد والتحديد. . . . أكثر من هذا فالمسرح يمتاز على الفنون جميعا في تصوير (اللحظات الفنية) التي هي مناط الاهتمام من كل فن. بيان ذلك إننا إذا أردنا - فرضا - تصوير حقيقة كبرى كالموت - وليكن موت أحد الفنانين مثلا - بشتى الطرق الفنية فان الفنون المكانية أي التي تشغل من الوجود مكانا ما كالنحت - ستتمثل اللحظة الفنية في غمضه عينية. . . والفنون الزمانية - أي التي تشغل من الدهر زمانا ما كالموسيقى - ستتمثل اللحظة الفنية في صوته وهو يتهدج ويخفت قبيل موته. . أو نحو ذلك بينما المسرح ستمثل اللحظة الفنية في كل ما بينه وبين الحياة من صلة: فمشهد يظهر شعور تلاميذه وعارفيه بالألم. . . ومشهد يظهر احتفال الناس بآثاره ومشهد يظهر ما ألم به من ظلم في حياته ومشهد يظهر ما صار إليه من مجد وهكذا.
بمثل هذه المزايا التي لا تتوفر الفن آخر استأثر التصوير المسرحي دون غيره أو اكثر من غيره من الفنون بتصوير الطبيعة البشرية والدوافع الإنسانية على مدى العصور فمن تصوير للنزعات العنيفة قديما إلى تصوير للمثاليات في عهود الرومانتيكية إلى تصوير للواقعية المجردة من الرياء أو العرف الاجتماعي، ثم الكشف عن مكنونات العقل الباطن في العصر الحديث.
وبمثل هذه المزايا كان للتصوير المسرحي دون غيره أو اكثر من غيره من الفنون فضل احتضان الآراء والنظريات الفلسفية والنقدية على مدى العصور. وليس أدل على ذلك من أن المسرح أمكنه حتى في العصور الاستبدادية أن يردد - وحده - ما يشاء من الآراء