بفضل قدرته البارعة على تصوير ما يشاء من الأجواء. ولنضرب مثالاً واحد لذلك بعهد الديكتاتورية الرومانية القديمة فقد استطاع بعض المسرحيين وقتذاك أن يصوروا كثيرا من الأجواء الحرة الطليقة - نقلا عن اليونان - بينما تشكلت سائر الفنون الأخرى قسرا بما يوائم سياسة تلك الديكتاتورية البغيضة.
كذلك انفرد التصوير المسرحي دون غيره أو اكثر من غيره من الفنون بالتوغل في أعماق النفس البشرية وإظهار دفائنها التي لا نكاد نصدق بها أحيانا. من ذلك مثلا (عاطفة الكراهية) التي يقال إنها تتولد في الخفاء بين الأب وابنه تمشيا مع قانون البقاء. فهذه العاطفة لم يكتشف مجرد احتمال وجودها إلا منذ بدا فرويد واتباعه في القرن الماضي يهتدون إليها. . ومع هذا فالمسرح يصورها منذ مئات السنين! فبالرغم مما يبدو في المسرحيات - نقلا عن مظاهر الحياة - من توقير الأبناء لآبائهم وعطف الآباء على أبنائهم (أو ما يسمونه عقدة الكترا وعقدة أوديب نسبة إلى تعلق الفتاة الكترا بابيها القائد أجاممنون وتعلق الملك أوديب بابنته انتيجونا واسمينا في الأساطير والروايات الإغريقية) إلا إننا نجد بالاستقراء أن للآباء أو في نصيب من السخرية والتحقير في الروايات الهزلية كما نجد أن معظم الروايات - هزلية وغير هزلية - تدور حول شاب يحب فتاة ويقوم أبوها أو أبوه بدور (العاذل) أو ما شاكل ذلك. وربما لا نجد تفسيرا لهذا كله إلا عاطفة الكراهية التي أسلفنا الإشارة إليها.
ولكن. . . قد يقال أن التصوير المسرحي مهما بلغت قيمته في العصور السالفة ذات الطابع الهادئ فقد اصبح في العصر الحديث ذي الأساليب الميكانيكية اقل قيمة من بعض الفنون الأخرى - والسينما على الأخص - لأسباب كثيرة منها: انه يصور الحوادث تصويرا بطيئا ويحصرها في زمان معين ومكان معين، الفكرة الواحدة إلى فصول متقطعة. . ويصطنع التقديم والتأخير في ترتيب حوادثها والتضخيم في تعبيره عنها لفظا وحركة، وهذا في مجموعه لا يطابق الواقع ولا المعقول بل لعله يتنافى معها! بينما السينما تعرض للناس ألواناً مجهولة لهم وتروح عن نفوسهم وتؤثر فيهم بواقعيتهم ومنطقها المعقول. . . الخ.
والحق أن الأمر - من الناحية الفنية على الأقل - ليس كذلك.