للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والكرامة حتى لقد ضحى بمنصبه في هذا السبيل، وضيع على دولته فرنسا مركزا علميا كانت تستأثر به في مصر.

ذلك أن مدرسة الحقوق في مصر كان يتولى نظارتها عالم من أبناء فرنسا، وكانت فرنسا تعتز بهذا المركز وتعتبره مظهر شرف لها إلى جانب ما كان قائما من تسلط الإنجليز على التعليم في مصر، وحدث أن أسندت نظارة هذه المدرسة إلى رجل فرنسي يدعى (تستو) وكان هذا الرجل ينزع إلى حب السيطرة والتغلب، وكان المسيطر على شئون التعليم في مصر يومذاك الطاغية (دنلوب) ونزعته الاستعمارية معروفه مشهورة، فتلاقى الرجلان في اتجاه واحد، وكان كل منهما أداة طغيان وبهتان. ومما يذكر أن (تستو) هذا هو الذي فصل الزعيم مصطفى كامل من مدرسة الحقوق فاضطر إلى السفرلإتمام دراسته في فرنسا، وحدث في عام ١٨٩٦ أن اجتمع فريق من طلاب المعاهد العالية والثانوية في مطعم بالأزبكية واحتفلوا بعيد جلوس الخديوي عباس الثاني. وصادف أن دخل (تستو) ليتناول العشاء فنقل أسماءهم إلى دنلوب ففصلهم جميعا من مدارسهم.

ثم تولى (أدوار لامبير) نظارة مدرسة الحقوق وكان رجلا يعرف للعلم كرامته ويرتفع به عن تلك الأساليب الغاشمة، فكان من الطبيعي أن يتصدى (دنلوب) لهذا الرجل لا يجاريه في إذلال المصريين ومسخ روحهم وتشويه ثقافتهم ولكن (لامبير) لم يخنع ولم يطأطئ رأسه وظل دائما عند عقيدته واتجاهه، فلما أعياه الأمر استقال وضحى بمنصبه وضيع نظارة مدرسة الحقوق المصرية على فرنسا، إذ تولاها من بعده رجل إنجليزي يدعى (هيل) وكان رجلا لا يدري من الحقوق شيئا، ولكن السياسة الإنجليزية شاءت ذلك في تلك الأيام

إنها ذكريات تحتل جانبا من تاريخنا الوطني، وهو جانب يجب أن يكتب ويروى، ولعل نعي الأستاذ لامبير قد أثار ألواناً من هذه الذكريات في نفوس أبناء الجيل السابق ممن كانوا من تلاميذه ومريديه. . .

محمد فهمي عبد اللطيف

<<  <  ج:
ص:  >  >>